بقلم : عماد الدين حسين
اطلعت قبل أيام على مناقشات بين أعضاء جروب يمثلون سكان إحدى القرى «القديمة والطيبة» فى الساحل الشمالى!
النقاش فى هذا الجروب أو المجموعة على «واتساب» يشبه إلى حد كبير صورة مصغرة من النقاشات فى معظم الجهات والمؤسسات والهيئات والمنتديات المصرية، سواء كانت عامة أو خاصة.
فى هذه القرية أو الجروب مجموعة مثالية وحالمة، تريد أن تتحول القرية إلى ما يشبه القرى الفاخرة والحديثة قرب العلمين لكن شرط ألا تزيد مصاريف الصيانة السنوية عن٢٥٠٠ جنيه.
هؤلاء يريدون شوارع منظمة وحدائق مهذبة بصفة منتظمة، وأمن منتبه، وشاطئ نظيف، وكافتيريا مجهزة، وسوبر ماركت يوفر كل السلع بأسعار مناسبة بدلا من الاضطرار لمغادرة القرية كل يوم وشراء السلع والاحتياجات اليومية بأسعار أرخص من خارج القرية.
هذه الفئة تريد أن تنصلح كل المشاكل فى غمضة عين، طالما أن هناك مجلس إدارة منتخبا ولديه الصلاحيات والسلطات لإصلاح الأمور من أول «لمبة الكهرباء التى لا تعمل فى بير السلم» نهاية بدهان القرية وتغيير مواسير السباكة، وتجديد حمامات السباحة وتنظيف البحر من المخلفات.
الفئة الثانية هى مجلس الإدارة، الذى يقول إنه ورث تركة ثقيلة من المجالس السابقة، التى كانت تقوم بترحيل المشاكل وتسكينها، بدلا من حلها، وأنه لا يمكن تحميله نتيجة كل هذه التركة الثقيلة خلال السنوات الماضية.
وجهة نظر مجالس الإدارة الدائمة والمنطقية فى نفس الوقت هى أن حل المشاكل فورا يحتاج لميزانيات كبيرة غير موجودة، وأنه فى كل مرة يطلب مجلس الإدارة من الجمعية العمومية زيادة قيمة الصيانة السنوية، فإنها ترفض، أو تقوم بزيادتها بنسب قليلة جدا، مقارنة بمبالغ ضخمة تصل إلى ١٥ ألف جنيه سنويا فى قرى أخرى تقع فى «الساحل الشرير»، وبالتالى لا يمكن تنفيذ مطالب السكان، من دون زيادة الموارد.
تأجيل حل المشاكل جعلها تتزايد، وعلى سبيل المثال فإن هيئة التأمينات تريد التأكد من وجود تأمين على كل العمال والموظفين، والضرائب العقارية تريد تسديد مستحقاتها أولا بأول.
جروب الواتساب يحفل يوميا بعشرات وربما مئات المشاكل الصغيرة والكبيرة، وجدل لا ينتهى، من دون الاتفاق على منهج وطريقة عمل، تدفع الأمور للأمام بدلا من زيادة تعقيد المشاكل.
السكان ينتقدون السلبيات وهذا حقهم، لكن بعض أعضاء مجلس الإدارة، يغضبون من هذا النقد، ويهددون دائما بالاستقالة، وأنهم ضحوا بوقتهم وجهدهم من أجل خدمة القرية، وبالتالى لا ينبغى أن يتم انتقادهم بهذه الطريقة.
وهنا ينبغى الالتفات إلى رأى ووجهة نظر الفئة الثالثة التى تقول إن من حق السكان أن يعبروا عن همومهم، ومن حق مجلس الإدارة أن يتقبل النقد، وطالما أنك رشحت نفسك لعضوية مجلس الإدارة، فعليك أن تحترم آراء آلناس وتناقشهم، وليس منطقيا أن تحجر على آرائهم، وإذا كان الأمر لا يعجبك فلم يكن عليك أن ترشح نفسك من الأساس أو عليك أن تستقيل الآن وتنضم لحزب الكنبة، وتريح نفسك من هذا الصداع!!
فى المقابل على السكان أو جمهور الناخبين أن يتحلى بالواقعية، وأن يدرك أن مجلس الإدارة لن يمكنه تنفيذ إصلاحات أو حل كل المشاكل إلا فى حدود الميزانية المتاحة لديه، ولن يدفع من جيوب أعضائه الخاصة للنهوض بحال هذه القرية، وبالتالى فالإصلاحات ستكون مساوية لقيمة ما لديك من موارد، وليس لما تتمناه أو تحلم به.
الملاحظة الأساسية التى خرجت بها من تصفح ومطالعة هذا الجدل اليومى، هو أن غالبيتنا يحتاج إلى وقت وذهنية مختلفة، حتى نصل إلى طريقة صحيحة لإدارة الأمور. والملفت للنظر أن غالبية الأعضاء ومعهم مجلس الإدارة لديهم قدر هائل من التعليم والخبرة، وبالتالى يفترض أن يكونوا عمليين وواقعيين، والأهم أن تكون صدورهم مفتوحة للنقاش الموضوعى الهادئ وكذلك تقبل النقد طالما كان منطقيا، وإلا فإن الأمور ستدخل فى «حائط مسدود».
نحتاج جميعا إلى إعادة النظر فى الكثير من ممارساتنا، وأن نطبق على أنفسنا ما نطالب به الآخرين.