بقلم: عماد الدين حسين
أفضل صورة شاهدتها منذ زمن طويل كانت يوم السبت الماضى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بأرض المعارض بالقاهرة الجديدة.
الصورة هى باختصار لآلاف الشباب المصريين الذين ملأوا المعرض، وتوزعوا بين دور النشر والمكتبات المختلفة.
هذه الصور تقول إنه لا خوف على مصر غدا وبعد غد وفى أى وقت مادام شبابها يقرأون.
كان عندى اعتقاد أن غالبية شباب هذه الأيام لا يهتمون بالقراءة، أو حتى زيارة معرض الكتاب من أجل الفرجة على الكتب.
وكنت أعتقد أيضا أن الظروف الاقتصادية الصعبة، وتداعيات فيروس كورونا، يمكنها أن تقلل من تدفق الناس على هذا المعرض، ثم ثبت أن كل هذه المخاوف ليست دقيقة.
ثبت عندى أيضا أن بعض ما نكرره ليل نهار عن أن شبابنا أو الجيل الجديد لا يقرأ ليس صحيحا ويستند الى انطباعات خاطئة أو غير موثقة وفى غالبية نقاشاتى مع المهندس إبراهيم المعلم وهو حجة فى عالم النشر يقول لى إن مستوى القراءة الآن أفضل بكثير من الماضى وأن ثقافة هذا الجيل لها صلة أكبر بالعالم رغم مستوى التعليم لدينا.
على سبيل المثال فإن أجنحة الأطفال فى معرض الكتاب تشهد إقبالا كبيرا من الأمهات اللاتى يحرصن على تعليم أولادهن بصورة مختلفة عن تعليم المدارس.
غالبية من رأيتهم فى معرض الكتاب يوم السبت الماضى من الشباب صغير السن. أعمارهم تبدأ من الثامنة وحتى الثامنة والعشرين.
رأيت أطفالا كثيرين، وكنت أعتقد أيضا أنهم جاءوا مع أسرهم من أجل الفرجة، أو النزهة، أو حتى مضطرين، لكن رأيت بعضهم يحمل أكياسا من الكتب.
فى هذا اليوم كان معى زوجتى وبناتى الثلاث، فى حين لم يحضر معنا ابنى الأكبر. ثلاثتهم كانوا مخططين قبل بداية المعرض لشراء كتب معينة.
وحينما كنت أتجول بين دور العرض اكتشفت أن عددا كبيرا من الزائرين فى أعمار بناتى بين العاشرة والعشرين.
فى كل دور النشر التى دخلتها من أول الشروق نهاية بالهيئة العامة للكتاب، كان الزحام شديدا.
للموضوعية لم أعرف هل تم ترجمة هذا الإقبال إلى عمليات شراء أم لا، وإن كنت عرفت أن حجم المبيعات فى المعرض يتراجع سنة وراء سنة بسبب كورونا والأسباب الاقتصادية المختلفة. وعلى سبيل المثال فإن مبيعات معرض الكتاب فى الفترة من ٢٠٠٨ إلى 2010 أعلى من مبيعات السنوات الأخيرة، وهو أمر يحتاج إلى البحث والدراسة.
لكن وبغض النظر عن هذا العامل فإن الفكرة الجوهرية التى أتحدث عنها اليوم، هى أن الشباب صغير السن ومعظمه ولد بعد ثورة يناير ٢٠١١، أو أن عمره لم يكن قد تجاوز الخامسة حينما قامت ثورة يناير أو ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣، هو الذى يملأ جنبات هذا المعرض، مثلما يملأ صالات وقاعات المسارح والأوبرا ودور السينما وغالبية الأحداث الثقافية الكبرى.
أظن أننا نسىء الظن بأولادنا الصغار، حينما نتهمهم مرة بالإنعزالية أو بعدم الانتماء أو قلته، أو عدم القراءة، فى حين أنهم أكثر وعيا وثقافة وإطلاعا واحتكاكا بالعالم مقارنة بمن هم أكبر سنا.
حينما ترى هؤلاء الشباب يملأون الكافتيريات لمشاهدة مباريات مصر فى بطولة الأمم الأفريقية التى أقيمت بالكاميرون، أو يملأون أجنحة ودور النشر فى معرض الكتاب، أو حفلات مهرجان الموسيقى العربية ومهرجان القاهرة السينمائى وحفلات المطربين سواء كانوا التقليديين أو المهرجانات أو الراب، أو يملأون المساجد والكنائس، حينما ترى هؤلاء سوف تتأكد أن شبابنا بخير فى غالبيته وأن فطرته سليمة.
فقط نحتاج أن نثق فيه وأن نفهمه، وأن نشجعه، لأنهم هم الأمل فى بكرة، وهم الذين سوف يقودون هذا البلد فى المستقبل.
نعم هناك بعض الشباب المغرر به سواء فى اتجاه الإرهاب أوالتطرف أو إدمان المخدرات. أو غير الواعى وغير المكترث، لكن الغالبية العظمى من هؤلاء الشباب بخير، يقرأون بجدية بالعربية وبلغات أخرى أحيانا خصوصا الإنجليزية، ويشاهدون السينما والمسرح وشبكات البث الإلكترونية مثل نتفليكس وغيرها.
هؤلاء يتعاملون بسهولة مع التكنولوكيا الحديثة وأكثر قدرة على التعامل مع المستقبل وتطوراته المتسارعة.
مشهد الشباب وهم يملأون معرض الكتاب فى القاهرة الجديدة، يشرح القلب ويسعد النفس، ويجعلنا نثق فى الغد.
شجعوا أولادكم على القراءة واقتناء الكتب سواء كانت ورقية أو إلكترونية، لأن من يملك المعرفة يملك المستقبل.