بقلم: عماد الدين حسين
من المحزن أن تكون العاصمة الليبية طرابلس تحت سطوة أمراء وزعماء الحرب والميليشيات.
كتبت قبل أيام فى هذا المكان بعنوان: «من يحكم طرابلس.. الدبيبة أم بادى؟!»، وحتى هذا الوقت كنت أعتقد أن صلاح بادى قائد الجناح المسلح لتنظيم الإخوان هو الوحيد الذى يمارس الفتونة والبلطجة وتحدى سلطات وصلاحيات الحكومة الانتقالية بقيادة عبدالحميد الدبيبة المدعومة من غالبية بلدان العالم.
لكن المفاجأة المحزنة أن طرابلس ماتزال تحت سيطرة وهيمنة وبلطجة عشرات الميليشيات وليس فقط صلاح بادى وجماعة الإخوان. وهذه النتيجة هى هدية لكل الذين فرحوا وهللوا لوجود هذه الميليشيات وانتهى الأمر بأنها تتصارع فيما بينها على النفوذ والأموال والسيطرة وأحيانا العمالة لبلدان أجنبية.
مساء الثلاثاء قرأت تقريرا منقولا عن قناة «٢١٨» الليبية يتحدث عن اجتماع عقد فى طرابلس فى اليوم نفسه، هو فى حد ذاته ينسف فكرة الدولة بأكملها، ليس اليوم ولكن غدا وبعد غد.
مضمون التقرير يقول إن قادة التشكيلات المسلحة فى العاصمة الليبية اجتمعوا فى العاصمة لحل مشكلة إقالة اللواء عبدالباسط مروان من منصبه كآمر لمنطقة طرابلس العسكرية.
فى التفاصيل المختصرة فإن الاجتماع ترأسه آمر كتيبة «النواصى ــ طريق الشط» مصطفى والى لحل المشكلة بين قادة الكتائب المسلحة وآمر الكتيبة ٤٤٤ قتال المقدم محمود حمزة، ومن بين حاضرى الاجتماع عبدالغنى الكيكى وآمر كتيبة ثوار طرابلس السابق هيثم التاجورى، وكذلك أيوب أبوراس القيادى فى عملية بركان الغضب، التى سيطرت على طرابلس عام ٢٠١٤ مع بادى، رفضا لنتائج الانتخابات البرلمانية التى فشل فيها الإخوان بامتياز.
الاجتماع فشل فى إيجاد حل للمشكلة، ولذلك تحرك قادة الكتائب المسلحة لتطويق العاصمة ونشروا قواتهم فى مناطق عدة، كما تم إغلاق العديد من الطرق بسواتر ترابية وطرد التلاميذ والطلاب من مدارسهم، فى حين قالت تقارير أخرى أن كتائب مسلحة تابعة لوزارة الدفاع تحركت لقطع الطريق أمام كتائب تنحدر من مدن أخرى، كانت تنوى إشعال حرب أهلية.
لمن لم يتابع تفاصيل الأزمة فإن الحكومة الليبية الانتقالية بقيادة عبدالحميد الدبيبة وفى إطار صلاحياتها قررت إقالة آمر منطقة طرابلس العسكرىة عبدالباسط مروان، وتكليف عبدالقادر منصور بدلا منه، والسبب فشل الأول فى منع الانفلات الأمنى فى العاصمة.
وبغض النظر عن السبب فإن من أولى صلاحيات الحكومة أن تقيل هذا أو تعين ذاك. لكن أن تتخذ قرارا بإقالة أحد المسئولين الأمنيين، ثم نتفاجأ بأن هناك قادة ميليشيات يرفضون هذا القرار فالمعنى الوحيد أن هؤلاء أمراء الحرب، هم الذين يسيطرون فعلا على العاصمة، وهم أصحاب القرار الحقيقى فيها ومن لا يصدق ذلك عليه مراجعة ما قاله صلاح بادى ــ المصنف دوليا باعتباره إرهابيا، بأنه يرفض قرارات الحكومة، ولن يسمح بإجراء انتخابات كان مقررا أن تتم فى ٢٤ ديسمبر الحالى، وهو ما تحقق بالفعل، ولم تتم الانتخابات، رغم الإجماع الدولى والإقليمى باستثناء تركيا.
حينما تعجز حكومة كاملة مدعومة دوليا عن تنفيذ قرار بإقالة أحد مسئولى الأمن بالعاصمة، فكيف يمكنها إجراء انتخابات حرة فى عموم البلاد، وتجبر الجميع على إجرائها والأهم احترام نتائجها؟!
نتذكر أن أحد أهم شروط وقف إطلاق النار بين الشرق والغرب، كان حل الميليشيات المسلحة وطرد المرتزقة وإخراج القوات الأجنبية. ومن الواضح أن القرار لم ينفذ، لكن ما كشفته أحداث الأسبوع الماضى، هو أن العديد من قادة التطرف والميليشيات المسلحة قد تم تعيينهم فى الأجهزة الأمنية.
وقد يقول البعض إن دمج هؤلاء فى المنظومة الأمنية أحد الحلول للمشكلة، لكن الذى تبين أن ولاء هؤلاء مايزال لتنظيماتهم المتطرفة والدول الداعمة لهم وليس لبلدهم وحكومتهم ووطنهم. هذا التطور شديد الخطورة، لأنه يعنى أن الشروط الجوهرية للمصالحة الليبية لم تتحقق، بسبب هذا الوضع الغريب وهيمنة الميليشيات وقادة التطرف.
الانتخابات لم تتم إذعانا للمتطرفين، وبالتالى فالسؤال مرة أخرى: إذا جرت الانتخابات بعد شهور، فمن يضمن إخضاع أمراء الحرب للقانون وللجيش الوطنى وللدولة المدنية الموحدة؟!