بقلم: عماد الدين حسين
أتمنى أن تكون إحدى نتائج الحوار الوطنى المزمع تنظيمه قريبا هو إعداد خريطة طريق واضحة للدولة المصرية خلال السنوات المقبلة، وليكن حتى عام ٢٠٣٠.
أظن أننا لو تمكنا أولا من إعادة إحياء تحالف ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بصورة عصرية وحديثة، وإذا كان هذا المصطلح يزعج البعض فلنقل استعادة التوافق الوطنى بصفة عامة. إذا حدث ذلك، وتمكنا من إنجاز خريطة الطريق للفترة المقبلة، فسنكون أنجزنا هدفا أساسيا يمكن أن يقود بدوره إلى حل كثير من القضايا الجدلية فى المجتمع منذ سنوات.
أهمية وضع هذه الخريطة لن تكون فى صالح المعارضة أو الحكومة فقط بل فى مصلحة المجتمع بأكمله.
على سبيل المثال يفترض أن تتمكن الحكومة خلال جلسات الحوار الوطنى من إقناع المعارضة بخريطة الطريق التى تسير عليها، أو يفترض أن تتمكن المعارضة من إقناع الحكومة بوجهة نظرها.
الحكومة تقول إن لديها رؤية واضحة ومحددة وأعلنتها أكثر من مرة وتتمثل أساسا فى رؤية ٢٠٣٠، وأن الإنجازات التى تحققت طوال الفترة من ٢٠١٤، وحتى هذه اللحظة خير دليل وشاهد على وجود هذه الرؤية، خصوصا فيما يتعلق بالإنجازات فى ملف البنية التحتية والصحة، وأن من لا يرى هذه الإنجازات لديه مشكلة ينبغى أن يعالجها أولا.
والرئيس عبدالفتاح السيسى قال يوم السبت الماضى فى افتتاح مشروع «مستقبل مصر» إن «إجراءات الدولة أمر مختلف ونقاشها يحتاج الكثير من الفهم والدراسات عشان يقول اللى ماشى فيه ناجح ولا لأ، ويتوافق مع التطور والمستقبل أم لا؟». والرئيس قال أيضا إنه لا يوجد بديل لما تقوم به الدولة.
المعارضة بدورها تقول إن هناك إنجازات نعم، لكنها تفتقر إلى الرؤية الشاملة، والأهم تفتقر إلى الإجماع الشعبى، وأن هناك حاجة ملحة إلى نقاش مستفيض بين الحكومة وبقية مكونات المجتمع للاتفاق على هذه الرؤية، وأنهم حينما يتحدثون عن غياب الرؤية فلا يقصدون التقليل من إنجازات الحكومة فى مجال البنية التحتية مثلا خصوصا الكهرباء والطرق والكبارى ومبادرات الصحة المختلفة، ولكنهم يقصدون وجود توافق على كيفية السير للمرحلة المقبلة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وليس فقط هذا المشروع أو ذاك.
هناك قضايا أساسية وجوهرية ينبغى أن يحسمها الحوار الوطنى، حتى نتمكن من التحرك للأمام ومواجهة التحديات. على سبيل المثال قضية الإصلاح السياسى، وما هى الطرق لزيادة تفعيل دور الأحزاب، والقوى السياسية المدنية، وهل نحتاج إلى تعديل بعض القوانين الانتخابية من أجل مزيد من تفعيل دور البرلمان، وهل نحتاج لزيادة صلاحيات مجلس الشيوخ.
قضية أخرى مهمة وهى الحريات، وإغلاق ملف المحبوسين حتى يتوقف الاحتقان، وبالطبع على ألا يشمل ذلك الإرهابيين ومن تلطخت أيديهم بالدماء.
فى الملف الاقتصادى ينبغى أن يتم الاتفاق والتوافق على دور القطاع الخاص وضرورة تنشيط دوره. هناك إشارات وتأكيدات مهمة من الرئيس ومن الحكومة فى هذا الصدد. وهناك وثيقة ملكية القطاع الخاص التى أعلنت قبل أيام، لكن من المهم أن ينعكس ذلك على أرض الواقع، وأن تصل رسالة واضحة إلى القطاع الخاص المنتج أن دوره مضمون ومصون.
ينبغى أيضا الاتفاق على المشروعات القومية الكبرى، وضرورة أن يكون هناك نقاش مجتمعى واسع وحقيقى قبل الشروع فى أى مشروع. وأظن أن ذلك سوف يكون فى مصلحة الحكومة والنظام بصورة كبيرة، لأنه سيوفر عليها مزيدا من الجدل اللاحق.
ما الذى يسىء للحكومة لو أنها ناقشت مع المجتمع مثلا قضية إنشاء الكبارى فى مصر الجديدة قبل تنفيذها، ألم يكن ذلك موفرا للكثير من الجدل علما بأنه كان سيفيد الحكومة أكثر، وبالتالى المجتمع.
أعلم وأدرك أنه لا يمكن الاتفاق والتوافق على كل شىء، ولكن على الأقل نضمن التوافق على الحدود الدنيا خصوصا فى المشروعات الكبرى.
الحكومة مطالبة أيضا بأن تشرح للمعارضة ولبقية المجتمع القضايا الكبرى ومنها التى تخص الأمن القومى وبالأخص قضية سد النهضة، حتى يقل الجدل الدائر منذ سنوات.
قد يكون موقف الحكومة أو المعارضة هو الصحيح، لكن من الواضح أن هناك مشكلة أو سوء فهم بين الجانبين، وبالتالى فإن الحوار الوطنى يمكن أن يشكل فرصة ومنصة ممتازة لحل هذه القضية شديدة الأهمية.
إنجاز هذه الرؤية أو خريطة الطريق أو مخرجات الحوار حال نجاحه، سيعنى بصورة أساسية توقف الجدل بين الحكومة ومعارضيها، وسيجعل غالبية الشعب يثقون فى المستقبل.