بقلم: عماد الدين حسين
هل الأهداف والرؤى والمصالح والطموحات للدول الست التى حضرت «القمة الوزارية» فى «سديه بوكير» ــ المكان الذى قضى فيه مؤسس إسرائيل ديفيد بن جوريون بقية حياته ــ بصحراء النقب يومى الأحد والإثنين الماضيين متطابقة ومتماثلة وتكاد تقترب من إعلان التحالف؟
الإجابة هى لا قاطعة، والطرف الوحيد الذى حاول الترويج والإيحاء بذلك هو إسرائيل.
مفهوم ومنطقى أن تروج إسرائيل لذلك وتحاول ترسيخه فى نفوس الجميع خصوصا العرب، حتى تقول لهم إن القضية الفلسطينية انتهت تماما، وأن جدول الأعمال العربى الإسرائيلى لم يعد يتضمن هذه القضية التى كانت فى يوم من الأيام مركزية.
إسرائيل هى الكاسب الأكبر من هذا اللقاء الذى لم تحلم به أبدا، خصوصا أنها لم تقدم أى شىء للفلسطينيين، وما تزال تحتل الضفة الغربية والجولان السورية ومزارع شبعا وتحاصر قطاع غزة وتهاجم سوريا ليل نهار، وتضرب بالقوانين والشرعية الدولية عرض الحائط.
إسرائيل روجت أن اللقاء ناقش إنشاء آلية تعاون أمنى إقليمى ضد التهديدات التى تواجه بلدان المنطقة مثل الصواريخ والطائرات المسيرة والقرصنة فى البحر الأحمر وقالت إنه تم الاتفاق على إنشاء لجان أمنية لمواجهة التهديدات الإيرانية وكذلك شبكة للإنذار المبكر، بشأن التهديدات التى تواجه المنطقة. كما أن وسائل إعلام إسرائيلية وصل بها التفاؤل إلى حد الزعم باحتمال إنشاء حلف أمنى دفاعى بين الدول الأعضاء.
لكن وكما فهمت من بعض الخبراء فإن هذا الحلم الإسرائيلى لا يمكن أن توافق عليه مصر بأى صورة من الصور.
إسرائيل وأمريكا تحاولان انتهاز الفرص والارتباك الحادث فى المشهد الدولى والإقليمى.
إسرائيل تريد أيضا أن تحشد معها دول الخليج فى الضغط على أمريكا والغرب فيما يتعلق بالاتفاق المتوقع مع إيران، وهو الأمر الذى سيقود إلى تعزيز الفكرة القائلة بأن هناك توافقا كبيرا بين العرب وإسرائيل فيما يتعلق بـ«الخطر الإيرانى».
الإمارات، والبحرين، ومعهما السعودية ومعهم إسرائيل يشغلهم الملف الإيرانى بصورة كبيرة، هم غاضبون من الموقف الأمريكى وناقمون عليه، ويعتقدون أن واشنطن لا تدرك خطورة وتداعيات إعادة تعويم إيران رغم أنها تواصل دعمها للحوثيين اليمنيين فى مهاجمة السعودية والإمارات ولها الكلمة العليا فى العراق ولبنان والى حد ما سوريا.
وبلينكن جاء للمنطقة خصيصا ليوهمهم بأن واشنطن لن تتخلى عنهم. أما الهدف الأساسى فهو إقناع عرب الخليج بضخ المزيد من النفط والغاز لتهدئة الأسواق المشتعلة بارتفاع الأسعار.
تريد واشنطن أيضا من بلدان شرق البحر المتوسط أن تساعد فى ضخ المزيد من الغاز لأوروبا كى تعوض جزءًا من إمدادات الطاقة الروسية التى تهدف واشنطن إلى قطعها ومحاصرتها عبر بدائل لدول أخرى كثيرة من أول قطر إلى شرق المتوسط مرورا بالجزائر وفنزويلا.
كما تسعى واشنطن لقطع الطريق على أى تحالف محتمل حتى لو كان بصورة غير مباشرة بين العرب وكل من الصين وروسيا اقتصاديا، خصوصا بعد الأنباء التى ترددت عن إمكانية بيع السعودية النفط للصين باليوان وليس بالدولار، إضافة لحشد تأييد دول المنطقة للموقف الأوكرانى، خصوصا فى ظل الغضب الشعبى العربى وأحيانا الرسمى من النظرة المزدوجة لحقوق الإنسان العربى والأوكرانى.
مصر حضرت فى اللحظة الأخيرة، وهدفها الأساسى تقليل المخاطر التى تتعرض لها بفعل تداعيات الأزمة الأوكرانية، خصوصا فيما يتعلق بالارتفاعات المستمرة عالميا فى أسعار سلع أساسية خصوصا الحبوب وبالأخص القمح وكذلك سعر البترول.
مصر تسعى أيضا لتأمين احتياجات مواطنيها من السلع الضرورية، وتريد أيضا ألا تكرس الأزمة لتحالفات طارئة قبل أن يتم حسم القضايا الأساسية وفى مقدمتها الصراع العربى الصهيونى، وأظن أن الإلحاح المصرى كان وراء تضمين البيان الختامى للدعوة إلى استئناف عملية السلام المتعثرة.
المغرب ذهب للاجتماع وهو يشعر أنه حصل على ثمن مقبول تمثل فى الاعتراف الأمريكى السابق بـ«مغربية الصحراء»، وهو ما تكلل فى بيان أممى صادر عن الأمم المتحدة أخيرا.
ومن منطلق براجماتى بحت وليس شعاراتيا، وإذا كنا نشهد الآن تغيرات ثورية فى علاقات الأطراف والقوى بالمنطقة، بفعل تداعيات الأحداث العالمية المتتالية، فكنت أتمنى أن يكون هناك تنسيق عربى عربى حقيقى قبل الجلوس مع الإسرائيليين، وأن يكون هناك على الأقل ثمن مقبول لهذا النوع من «التطبيع». فهل حصلنا على أى أثمان؟!
سؤال سوف تجيب عنه الأيام المقبلة.