بقلم: عماد الدين حسين
كيف نوفر المياه للأراضى المستصلحة؟
المياه واحدة من أفضل النعم التى يمكن أن ينعم بها الله سبحانه وتعالى على أى دولة أو منطقة أو إقليم.
هناك بلدان لديها فائض ضخم من المياه، وبلدان، لا تجد قطرة مياه واحدة، وثالثة لديها ما يكفيها، ورابعة تكافح للحفاظ على الحد الأدنى لديها وتعظيمه.
ربما تكون مصر من النوع الرابع. حصتها من مياه النيل تبلغ ٥٫٥٥ مليار متر مكعب، تحصل عليها منذ كان عدد سكانها ٤ ملايين تحت حكم محمد على عام 1805، وهى نفس حصتها الآن بـ ١٠٤ ملايين نسمة، ولذلك دخلت منذ فترة مرحلة الشح المائى ونصيب الفرد فيها أقل من ٥٠٠ متر مكعب من المياه سنويا، مقارنة بألف متر تقريبا فى العالم. مياه النيل تمثل نحو ٩٥٪ من مصادر المياه والبقية من الأمطار والمياه الجوفية.
صباح السبت الماضى وخلال افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى للمرحلة الأولى من مشروع «مستقبل مصر» على طريق الضبعة، قال إن هناك دولا لا تتكلف شيئا فى الزراعة، وبمجرد وضع البذور تهطل الأمطار، فى حين أن تكلفة استصلاح وزراعة الفدان الواحد فى مصر الآن تزيد على ٢٥٠ ألف جنيه.
العنصر الرئيسى الحاكم فى عملية استصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية هو المياه.
فى مشروع «مستقبل مصر» الذى يشكل جزءا من «الدلتا الجديدة» تم زراعة أكثر من ٣٥٠ ألف فدان بالقمح والذرة والبنجر، والمياه المستخدمة حتى الآن هى المياه الجوفية، وجزء كبير من تكلفة الاستصلاح والزراعة تذهب إلى هذا البند لسحب المياه الجوفية من على عمق يصل لمئات الأمتار، وكلما كانت المياه أكثر عمقا كلما زادت التكلفة.
تحلية مياه البحر لاستخدامها فى الزراعة مكلفة جدا وغير عملية، لذلك فالمصدر الأساسى للزراعة فى الأراضى المستصلحة فى مصر إما أن يأتى من المياه الجوفية التى لابد أن تكون متوافرة أولا، تم تحتاج لموارد مالية كثيرة لاستخدامها، وكذلك أن تكون هناك استدامة وتجدد لهذه المياه لأنه لا يعقل بداهة أن تنفق مئات المليارات من الجنيهات لزراعة آلاف الأفدنة، ثم تتفاجأ بأن العمر الزمنى للمياه الجوفية قليل جدا، وهو الأمر الذى عطل إقامة مشروعات مختلفة فى الصحراء المصرية فى العقود الماضية.
طبقا لما شرحه اللواء إيهاب الفار رئيس الهيئة الهندسية صباح السبت الماضى، بناء على طلب الرئيس عبدالفتاح السيسى فقد عرفنا من الخرائط والرسومات البيانية المعروضة الموقف التنفيذى لترعة الدلتا الجديدة التى ستوفر المياه المعالجة لما سيتم استصلاحه من أراضٍ فى العديد من المناطق الفترة المقبلة.
الخط الناقل للمصدر الشرقى للمشروع يمتد لمسافة ٤٢ كيلومترا بواقع ١٦ كيلومترا ترعا مكشوفة، و٢٦ كيلومترا مواسير وهو يضم ٦ محطات رفع.
أما المصدر الشمالى فإنه يمتد بطول ١٧٠ كيلومترا بواقع ١٤٨ مترا ترعة مكشوفة و٢٢ كيلو مواسير ويضم ١٣ محطة رفع.
والخط الزراعى يمتد بطول ٥٦ كيلومترا. أما القطاع المائى الأوسط فإن مساره يمتد بطول ٥١ كيلومترا، والقطاع الصحراوى يمتد بطول ٤٣ كيلومترا.
تكلفة هذا المشروع كما يقول اللواء إيهاب الفار ١٦٠ مليار جنيه، ويتضمن ٢١١ كيلومترا، خطوط مواسير، و١٦ كيلومترا ترعة مكشوفة، والهدف من استخدام المواسير هو المحافظة على الأراضى الزراعية، أم تبطين الترع فهدفه منع التبخر وحماية المياه.
حسب كلام اللواء الفار فإن هناك ٣ مشروعات كبرى: الأول هو الدلتا نفسها ومشروع مستقبل مصر ومشروع جنة مصر، والأخير تم الانتهاء منها بنسبة ١٠٠٪.
إذا فإن مصر لم تستخدم حتى الآن قطرة مياه واحدة من مياه النيل فى هذه المشروعات العملاقة، لكن تكلفة هذه الترعة الجديدة كبيرة جدا ومرشحة للارتفاع، ولا بديل عنها حتى يمكننا التوسع فى عمليات استصلاح الأراضى. علما بأن الرئيس السيسى أكد أكثر من مرة أن حصة مصر من مياه النيل لن تنقص نقطة واحدة.
الدولة تبذل جهودا مهمة ومقدرة فى الفترة الأخيرة للحفاظ على كل ما نملكه من حصة مياه متناقصة، وهى بدأت مشروعا عملاقا لتبطين الترع، ويتكلف مئات المليارات من الجنيهات منعا للتبخر، كما بدأت تطبق أساليب الرى الحديث والتقنية والميكنة لتقليل الفاقد والهدر.
نحن فى سباق مع الزمن للحفاظ على كل نقطة مياه لدينا، وعلى كل من يفتى ويقول: ولماذا لا نزرع ملايين الأفدنة بالقمح وغيره، نقول له: اعرف أولا من أين سنأتى بالمياه وكم تتكلف؟.