بقلم: عماد الدين حسين
أعرف بعض الناس لا يؤمنون إلا بنظرية المؤامرة فى كل شىء وأى شىء، ولا يؤمنون إطلاقا بأن هناك أحداثا تقع من دون تخطيط أو تآمر مسبق.
هذا الفريق يرفع شعار «بص شوف العصفورة فين»!
هذا الفريق لا يؤمن بتطبيق هذه النظرية على الأحداث والوقائع التى تدور فى مصر فقط، ولكن يطبقها على غالبية الأحداث فى العالم أجمع، وبالتالى فالنقاش مع مثل هذه النوعية من البشر شديد الإجهاد ويدفعك إلى أن تتخذ قرارا بألا تناقشهم أو تجادلهم أبدا طالما أنهم يؤمنون فعلا بأن كل حدث هو نتيجة مؤامرة.
ذات يوم ناقشت أحد هؤلاء ورأى مثلا لو أن الحكومة نظمت مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، فالهدف ليس الارتقاء بالفن وتعظيم قوتنا الناعمة، بل لصرف أنظار الناس عن قضاياهم الحقيقية، ولو أن قضية تفجرت مثل معلمة المنصورة التى تم تصويرها ترقص فى حفلة نيلية، أو أن فتاة انتحرت لأن مجموعة من الناس ابتزوها بصورة مفبركة، فالهدف هو أيضا صرف انتباه الناس عن قضاياهم الملحة. ولو أن الأهلى لعب مع الزمالك فالهدف ليس التنافس فى الدورى أو الكأس ولكن تشتيت انتباه الناس إلى قضايا هامشية.
معظم القضايا التى تثار فى وسائل الإعلام وتشغل الناس هى فى وجهة نظر هذا الفريق مفبركة لإلهاء الناس. وبالتالى فليس هناك أى أحداث طبيعية، بل كلها مصنوعة من طرف القوى الخفية.
قلت له: لو أن نظريتكم سليمة فمعنى ذلك أن هناك قوى خفية وشريرة تدير العالم بأكمله، طالما أنه لا توجد أحداث طبيعية.
وطبقا لهذه النظرية أيضا فإن الدولة أو الأجهزة فى كل بلد فى العالم مشغولة فقط باختلاق أحداث مختلفة طوال الوقت لجعل الناس لا تركز على قضاياها الحقيقية. ثم أنه لو صح ذلك التفسير فالمعنى أن موظفى أو مسئولى هذه البلدان يملكون قوى خفية وخارقة، بحيث إنهم قادرون طوال الوقت على اختراع أو فبركة الأحداث، أو حتى صناعة أحداث أخرى. وإذا صح ذلك فإن أى دولة ستكون بحاجة إلى مؤسسة أو وزارة كاملة تكون مهمتها صناعة وفبركة الأحداث، حتى تتمكن من إلهاء الناس طوال الوقت.
وإذا صدقنا هذه النظرية فإن الأجهزة الأمنية فى كل البلدان ستكون أسطورية لأنها تمتلك القدرة على اختلاق وتنظيم كل هذه الأحداث والأهم جعل الناس يصدقونها.
حينما يظهر فنان أو لاعب كرة أو أى شخصية عامة ويتحدث فى موضوع جدلى، فإن هذا الفريق يرى فيه مؤامرة هدفها تشتيت انتباه الناس عن الهموم والقضايا الحقيقية.
وبالتالى وطبقا لهذا التفسير فإن كل المعارك الخاصة بأغانى المهرجانات أو الجدل بشأن الأفلام التى تبثها شبكة نتفليكس وغيرها، هى أمور مفتعلة من قبل قوى خفية لإلهاء الناس.
الرد المنطقى والأساسى على أنصار هذه النظرية بسيط جدا وهو أن الناس فى كل مكان لا تنسى همومها ومشاكلها وقضاياها الحقيقية، مهما تكاثرت القضايا المفتعلة أو المصنوعة حولها.
سيقول البعض وهل معنى كلامك أنه لا يوجد دول وحكومات لا تختلق أحداثا أو معارك هامشية لتشتيت انتباه الناس؟!
الإجابة هناك دول تفعل ذلك، وسوف تظل تفعل ذلك، لكن الاستغراق فى تفسير كل شىء باعتباره ناتجا عن مؤامرة، هو أمر عبثى تماما، ويجعل صاحبه يعيش فى الأوهام ولا يرى الحقائق.
ليس معقولا أن كل طلاق أو جواز أو حادث أو مشكلة اخترعتها الحكومة لإلهاء الناس.
نعم هناك محاولات طوال الوقت من معظم حكومات العالم لصرف انتباه الناس عن القضايا الأساسية، لكن من قال إن الناس نست همومها وقضاياها؟!
طبقا للتجارب المختلفة فإن المواطن العادى يمكن أن ينشغل لبعض الوقت فى قضايا هامشية مثارة فى الإعلام أو التواصل الاجتماعى، لكنه فى النهاية يدرك أن هناك قضايا أخرى أساسية تشغله مثل عمله ودخله ومستقبل أولاده وصحتهم وتعليمهم.
وبالتالى على هؤلاء العائشين فى وهم المؤامرة طوال الوقت أن يفيقوا ويحاولوا فهم الواقع كما هو، وليس كما يتمنونه وعليهم أن يقرأوا بعناية الحكاية الشهيرة وجوهرها لا تتعمق أكثر من اللازم ولا تجهد عقلك فى أفكار خاطئة «لأن النسر العجوز لا يطير»!!!! وأرجو أن أعود إليها فى وقت لاحق.