بقلم: عماد الدين حسين
فى حزمة القرارات المهمة التى وجّه بها الرئيس عبدالفتاح السيسى عصر يوم الثلاثاء الماضى، فإن كثيرين ركزوا على زيادة الحد الأدنى للأجور إلى ٢٧٠٠ جنيه بدلا من ٢٤٠٠، إضافة للعلاوات والحوافز المختلفة. وبالطبع فهو تركيز منطقى لأنه يهم شريحة كل العاملين فى القطاع الحكومى والعام ومعهم عائلاتهم، لكن كان هناك قرار أراه فى منتهى الأهمية وهو تعيين ٣٠ ألف مدرس سنويا لمدة خمس سنوات. واعتماد حافز إضافى للمعلمين ليصل إجماليه إلى ٣٫١ مليار جنيه، وتخصيص ١٫٥ مليار جنيه لتمويل حافز الجودة الإضافى لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، بالجامعات والمراكز والمعاهد والهيئات البحثية.
د. طارق شوقى قال إن قرار الرئيس بتعيين ١٥٠ ألف معلم خلال خمس سنوات هو تاريخى وغير مسبوق طوال ٢٠ عاما، وإن القرار حصيلة جهود مستمرة منذ شهور، وتم إجراء دراسات مفصلة لتحديد مناطق العجز وأى مراحل عمرية، وأى مدارس وأى تخصصات، وإن الرئيس وافق على الخريطة التى تبين أوجه العجز، وأن الوزارة ستعمل على تدريب المعلمين ورفع المستوى الاجتماعى والمهنى لهم وكذلك تطوير كليات التربية لتخريج المعلم المعد للنظام الجديد.
عدد كبير من الكُتاب والخبراء تحدثوا كثيرا طوال سنوات يطالبون بسد العجز فى أعداد المعلمين، وتحسين أجورهم، لأنه ــ ولهم كل الحق ــ لا يمكن مطلقا الحديث عن تطوير التعليم، من دون وجود معلمين بعدد كاف، وأن تكون أجورهم معقولة. الواقع كان شديد البؤس فيما يتعلق بحال المعلمين وعندى قصص وحكايات كثيرة لأن أخواتى الأربعة يعملن معلمات.
وزارة التعليم كانت تقول طوال الوقت إن الأمر ليس فى يدها، بل فى يد الحكومة ووزارة المالية، ووزير التعليم د. طارق شوقى قال أكثر من مرة إن العجز فى المعلمين يصل إلى ٢٦٠ ألف معلم فى مختلف التخصصات، وإن كل ٣٠ ألف معلم يكلفون ميزانية الدولة مليار جنيه فى ظل الحد الأدنى للأجور وهو ٢٤٠٠ جنيه قبل زيادته الأخيرة إلى ٢٧٠٠ جنيه، وبالتالى فهناك حاجة لتسعة مليارات جنيه لسد العجز فى المعلمين. كما أن العجز فى الفصول يصل إلى ٢٥٠ ألف فصل، وتكلفة الفصل تصل إلى نصف مليون جنيه.
الدكتور طارق شوقى قال أيضا ذات مرة: «لا نستطيع أن نطلب من وزارة المالية هذه المبالغ فى ظل الأعباء الكثيرة الحالية فى الدولة».
وبسبب هذه المعضلة حاولت وزارة التعليم اللجوء إلى حلول رآها كثيرون مسكنات أو بلا جدوى، بل وكوميدية مثل الطلب من الناس التطوع مجانا للتدريس، أو القبول بعشرين جنيها للحصة الواحدة، بمعدل حصص قد يصل إلى ٢٤ أسبوعيا أى حوالى ١٧٠٠ جنيه شهريا.
الوزارة أيضا أجرت مسابقة لتعيين ٣٦ ألف مدرس عام ٢٠١٩ وكان الأغرب أنها لمدة شهرين فقط، والبعض قال إن إجمالى ما صرفه المتقدمون على أوراق هذه المسابقة أكبر من راتب الشهرين!
اتفق تماما مع كل الآراء، طبعا هناك مشاكل كثيرة فى تدبير الموارد المالية، ليس فقط لسد العجز فى المعلمين أو الفصول ولكن فى معظم المجالات، لكن أظن أن سد العجز فى المعلمين كان يفترض أن يتصدر الأولويات طالما أننا نتحدث عن تطوير حقيقى فى التعليم، وهو أمر لن يتم مطلقا من دون وجود معلمين بعدد كاف، ومؤهلين على أعلى مستوى ويتلقون أجورا كريمة.
لن تكون هناك أى عملية تنمية حقيقية أو تطور فى أى مجال من دون تطوير التعليم. والمعلم المؤهل هو قلب هذه العملية، وأى كلام غير ذلك مضيعة للوقت.
أظن أن الحكومة أخطأت فى السابق حينما أجّلت كثيرا سد العجز فى أعداد المعلمين وتحسين أجورهم، لكن يحسب لها أنها تداركت الأمر وبدأت فى اتخاذ خطوات جادة لحل المشكلة، لأن هذه القضية يفترض أن تتصدر أولويات أية عملية إصلاح، بل هى فى الأساس لب عملية التقدم.
المعلم المؤهل والمكتفى هو الذى سيلعب الدور الأهم فى تخريج الأطباء والمدرسين والمهندسين والإعلاميين والمحامين والمحاسبين والفنيين فى كل المجالات، وبالتالى حينما يكون مؤهلا ومستريحا ماديا، فسوف نتوقع خريجين جيدين والعكس صحيح.
انتقدنا الحكومة كثيرا فى هذا الموضوع قبل ذلك، واليوم نرحب بخطوتها ونتمنى المزيد، حتى يتم إصلاح قطاع التعليم من جذوره وعلى أسس صحيحة، والحديث موصول.