بقلم: عماد الدين حسين
فى نهاية الأسبوع الماضى أنهى طلاب مدرسة منشية الجبل الأصفر الإعدادية التابعة لإدارة الخانكة التعليمية بمحافظة القليوبية امتحانهم للشهادة الإعدادية.
الطلاب والتلاميذ فى كل مكان بالعالم يمكن أن يحتفلوا بانتهاء الامتحانات بعشرات وربما مئات الطرق والوسائل، لكن لا أظن أنه حتى الشيطان نفسه يمكن أن يقدم ما أقدم عليه بعض هؤلاء الطلاب.
هم قرروا وفى لحظة جنون كاملة أن يكسروا ويدمروا مقاعد وكراسى فصولهم وكل ما صادفوه من أثاث مدرسى، بل وصل الأمر إلى تحطيم مراوح الفصل، إضافة إلى تقطيع كل الأوراق التى كانت معهم أو صادفوها أمامهم.
حينما وصلتنى هذه الصور من إحدى الزميلات على صفحتى على الفيسبوك، اتصلت بها لأتأكد من صحة الواقعة، فكانت متشككة، فاعتقدت أن الموضوع غير حقيقى نظرا لغرابته، لكن زميلنا مراسل «الشروق» فى القليوبية محمود عواد أكد لنا صحة الواقعة، وسأل الدكتور ياسر محمود وكيل وزارة التعليم بالمحافظة، الذى أكد أنه قرر تشكيل لجنة للتحقيق فيما حدث وحصر التلفيات ومعرفة المتسبب فى الواقعة. الدكتور محمود يرى أن المشهد مستفز، وأنهم لم يستطيعوا معرفة الطلاب المخربين لأن الكاميرات موجودة فى طرقات المدرسة وليست داخل الفصول، وبعد ذلك اكتشفت أن الزميل عمرو أديب عرض الموضوع فى برنامجه «الحكاية» على شاشة «إم بى سى مصر».
من حق مديرية التعليم أن تشكل لجنة تحقيق، ومن حق وكيل التعليم أن يصف المشهد بأنه مستفز ومن حقه أن يقول أن التلفيات ليست كبيرة، وأنه تم إعادة ترتيب الفصول وتشغيل المروحة! لكن من حقنا أن نقول أيضا إن ما حدث ليس مجرد تصرف فردى ولكنه يعبر عن وجود ظاهرة حقيقية.
سيقول البعض إن ما حدث طيش تلاميذ مراهقين، أو إنهم أرادوا الاحتفال بنهاية العام الدراسى والشهادة الإعدادية، أو أنهم لا يقصدون تحطيم الأثاث. وأقول وأمرى على الله إن ما حدث كارثة مكتملة الأركان وإن لم نسارع لتشخيصها بدقة وعلاجها بسرعة، فقد نكتشف لاحقا أننا نربى وحوشا فى مجتمعنا وليس جيلا للغد.
سيقول البعض إن هؤلاء قلة قليلة جدا وأن المجموع العام من الشباب ما يزال بخير. وأقول بوضوح إننى لا أظن ذلك، صحيح أننا لا نملك إحصائيات دقيقة عن عدد الطلاب المنفلتين، لكن المشاهد التى نرصدها فى الشوارع ووسائل المواصلات يوميا يمكنها أن تقدم لنا جانبا من الحقيقة.
ما حدث يستحق دراسة معمقة من أساتذة وخبراء علم النفس والاجتماع والدين والتربية والإعلام لكى يشرحوا لنا سر هذه الظاهرة التى يرى كثيرون أنها تتزايد وتعبر عن تفشى الجهل وانعدام الوعى وتراجع الانتماء.
ظنى أن الذين قاموا بتكسير أثاث فصولهم ضحية لنا جميعا، لا أستطيع أن ألقى عليهم اللوم فقط، بل هم حصاد تربية وتعليم متدهور منذ سنوات. لا أستطيع أن ألوم وزارة د. طارق شوقى أو حكومة د. مصطفى مدبولى ولكن الأمر فى نظرى حصاد تراكم لكل أخطاء المجتمع مجتمعة منذ عقود.
حينما يدمر الطلاب أثاث مدرستهم فهم لا يدركون أن أهاليهم هى التى ستتحمل ثمن تكلفة صيانة هذه الأثاثات، وعلينا أن نربط ذلك بما فعله بعض أهالى قرى مركز إدفو بأسوان حينما حطموا الوحدة الصحية بدلا من أن يلوموا أنفسهم لأنهم وضعوا كل أموالهم لدى أحد النصابين! لكن فى حالة طلاب مدرسة الجبل الأصفر لم يخدعهم أحد، بل إن المدرسة تعلمهم مجانا تقريبا، فهل يكون ذلك هو رد الجميل؟!
حينما يفعل التلاميذ ذلك، فلا معنى إلا أنهم لا يعرفون شيئا عن الانتماء والولاء للمدرسة والدولة والمجتمع، وظنى ــ وربما أكون مخطئا ــ أنهم لا يذهبون من الأساس للمدرسة إلا فى يوم الامتحان.
أرجوكم راقبوا سلوك عدد ليس قليلا من الشباب، كيف يتكلم وما هى ألفاظه وتعبيراته وشتائمه وأغانيه وتصرفاته فى الشوارع والحارات والأزقة والمنتجعات لكى نعرف بدقة إلى أين وصلنا أو بالأحرى إلى أين انحدرنا.
أتمنى ألا يمر هذا الموضوع مرور الكرام، وأن نبحث فيه بجدية فربما نمنع الكارثة أو على الأقل نقلل من خطورتها.