بقلم: عماد الدين حسين
قانون العمل الجديد الذى وافق عليه مجلس الشيوخ من حيث المبدأ صباح الأحد الماضى، أراه واحدا من أهم القوانين التى ستمس غالبية المصريين لفترات طويلة، وأما أن يقود لتحسين علاقة العمل بين العامل والقطاع الخاص، فيتحسن الإنتاج ويزيد الاستثمار، أو ــ لا قدر الله ــ يتحول لقنبلة موقوتة تنفجر فى وجه الجميع.
وقبل أن نناقش جوهر مواد القانون، علينا أن نلقى الضوء على القوانين التى كانت تنظم العلاقة فى الماضى وحتى هذه اللحظة.
من الطبيعى أن علاقة العمل بين العامل وصاحب العمل الخاص تشهد الشد والجذب فى غالب الأوقات فى كل بلدان العالم، إلى أن يتمكن الطرفان بوساطة وتنظيم الحكومة أو بدعمها من تحقيق التوازن فى هذه العلاقة الشائكة بما يفيد الطرفان، وبالتالى يفيد المجتمع بأكمله.
قوانين العمل شهدت العديد من التطورات فى العالم بأكمله خصوصا بعد الثورة الصناعية فى أوروبا، وظهور الفكر الرأسمالى الذى أدى إلى تحقيق ثروات ضخمة لأصحاب الأعمال فى عقود قليلة، وهنا بدأت التوترات والاضطربات والإضرابات بسبب إحساس العمال بالظلم خصوصا مع غياب الأجر العادل والتأمينات الاجتماعية والصحية والسلامة المهنية، وربما تكون هذه الأسباب هى التى قادت إلى ظهور الفكر الماركسى دفاعا عن حقوق العمال. وفى مرحلة لاحقة بدأت بعض المجتمعات الغربية تنصف العمال والعاملين إلى حد كبير خصوصا البلدان الاسكندنافية التى طبقت مفاهيم دولة الرفاه الاجتماعى.
التشريعات العمالية، لم تكن بعيدة عن مصر فهناك القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٣٣ فى شأن تشغيل الأحداث وصغار السن، والقانون رقم ٨٠ لسنة ١٩٣٣ فى شأن تشغيل النساء، والقانون رقم ٦٤ فى شأن إصابات العمل، والقانون رقم ٧٢ لسنة ١٩٤٠ بشأن تنظيم ساعات العمل فى المحال التجارية ودور الصناعة، والقانون رقم ٨٥ لسنة ١٩٤٢ بشأن النقابات العمالية، والقانون رقم ٤١ لسنة ١٩٤٤ بشأن عقد العمل الفردى، ثم توالى صدور العديد من القوانين المنظمة للعلاقة حتى صدر القانون رقم ٩١ لسنة ١٩٥٩ فى شأن قانون العمل، والذى يعتبره الخبراء البداية الحقيقية لقانون موحد ينظم علاقات العمل.
وفى عام ١٩٨١ صدر القانون رقم ١٣٧ وتضمن دورا كبيرا للدولة فى الاهتمام بعلاقات العمل، ثم جاء صدور القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ وهو القانون المعمول به حتى الآن.
من وجهة نظر الحكومة وأصحاب الأعمال وخبراء كثيرين فإن العالم اختلف تماما فى كل المجالات، خصوصا فى الإنتاج والتبادل التجارى بفعل متغيرات كثيرة أهمها الثورة التكنولوجيا التى فرضت خصائصها الجديدة على مجمل المشهد.
وبالتالى صار لزاما من وجهة نظرهم البحث عن مفهوم جديد لقانون العمل لتحقيق التوازن والعدالة بين طرفى علاقة العمل ومن دون تهميش لدور الدولة.
ما سبق هو الخلفية، ثم إن هناك عاملا مهما فى الأمر، وهو الاتفاقيات الدولية التى وقعتها مصر، وصارت ملتزمة بها، وخصوصا أن مصر كانت من أوائل الدول التى انضمت لمنظمة العمل الدولية فى عام ١٩٣٦ وتأسس مكتب للمنظمة فى القاهرة منذ عام ١٩٥٩ بهدف تعزيز الحقوق فى مجال العمل وتعزيز الحماية الاجتماعية.
خلال ٨٠ عاما صدقت مصر على ما يقرب من ٦٤ اتفاقية عمل دولية منها الاتفاقيات الحاكمة الأساسية مثل الحرية النقابية وحق التنظيم فى عام ١٩٤٨ وحق التنظيم والمفاوضة الجماعية رقم ٩٨ لسنة ١٩٤٩. وإلغاء العمل الجبرى فى ١٩٥٧، واتفاقية عمل الأطفال عام ١٩٩٩.
وكذلك اتفاقيات شروط العمل والتأهيل المهنى وبيئة العمل والمشاورات الثلاثية والمفترض أن مصر تحترم هذه الاتفاقيات ولا يعقل أن تصدر أى قوانين تعادى فلسفة هذه الاتفاقيات الدولية. تلك هى حقيقة المشهد فى الماضى والحاضر.
فى حقبتى الخمسينيات والستينيات انحازت الدولة بوضوح إلى العمال على حساب أصحاب الأعمال، وبعد ذلك حاولت احداث التوازن، وهو ما تحقق إلى حد كبير لكن من دون تغيير جوهرى فى فلسفة ونصوص التشريعات والقوانين. والمفترض أن القانون الجديد يسعى لترجمة ذلك بوضوح.
والآن نسأل ماذا عن القانون الجديد، وما هى ملامحه الأساسية ومن نخاطب؟ هل عمال وموظفو الحكومة والقطاع العام، أم أنه مقصور فقط على عمال القطاع الخاص؟!
نتابع لاحقا هذا القانون شديد الأهمية وكل ما يتعلق به.