بقلم: عماد الدين حسين
صباح الإثنين الماضى كان عدد كبير من المصريين على مواقع التواصل الاجتماعى يتشاركون فى نشر وتبادل صور مختلفة من مدينة الإسكندرية تظهر اكتساء العديد من شوارع المدينة بالثلوج نتيجة موجة البرد الشديدة التى ضربت معظم أنحاء الجمهورية خصوصا المدن الساحلية شمال البلاد.
بالطبع لم يخلُ الأمر من فكاهة المصريين المعتادة حينما وضع بعضهم تعليقا أسفل هذه الصور يقول فيما معناه: «هذه ليست شوارع روسيا أو أوروبا ولكنها فى الإسكندرية!».
وفى نفس اليوم كان مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق يناقش طلبا من النائب وليد التمامى فى شأن الإجراءات التى تتخذها الحكومة لمواجهة ظاهرة تغير المناخ.
فى هذه المناقشة العامة تحدث أكثر من ٢٧ نائبا، وكان الهاجس الأكبر للغالبية ما قاله رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون الشهر الماضى فى افتتاح مؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية «كوب ٢٦»، والذى عقد فى جلاسجو، وقال فيه إن استمرار ارتفاع درجة الحرارة بمقدار ٤ درجات عما هى عليه الآن سوف يقود إلى غرق بعض المدن الكبرى فى العالم ومنها الإسكندرية وميامى وشنغهاى.
جميع من تحدثوا فى هذا اليوم انشغل وقلق بهذا التصريح الذى أطلقه جونسون، رغم أن نائبا آخر استغرب، وقال لهم إن العالم المصرى الكبير فاروق الباز سبق أن قال منذ سنوات إن زيادة درجات الحرارة سوف يتسبب فى ارتفاع منسوب مياه البحر من ٣٠ سنتيمترا إلى متر، وإذا حدث ذلك فسوف يؤدى لغرق العديد من المدن ومنها الإسكندرية، فهل نحن نتأثر فقط حينما يأتى الكلام من «الخواجات» وليس من علمائنا المصريين، حتى لو كانوا عاشوا ودرسوا فى الخارج؟!
خلال مناقشات مجلس الشيوخ تحدث أكثر من نائب عن المخاطر التى قد تنجم عن ظاهرة التغير المناخى، ومنها مثلا زيادة درجة ملوحة الأرض، وبالتالى التأثير فى خصوبتها، ثم إن هذه التغيرات ستؤدى إلى ضرر كبير فى المحاصيل الزراعية، سيدفع ثمنه الفلاحون وبالتالى الاقتصاد القومى.
للموضوعية فإن الأمر لا يخص مصر فقط، بل غالبية بلدان العالم، لأن ظاهرة التغيرات المناخية هى عالمية بامتياز، ولا يمكن لأى دولة كائنة من كانت أن تنغلق وتنعزل على نفسها. هى تستطيع إغلاق حدودها البرية، لكن هل يمكنها إغلاق أجوائها وبحارها امام انتشار الانبعاثات الضارة؟!
ماذا ستفعل مصر لمواجهة كل ذلك؟
الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة حضرت جلسة مجلس الشيوخ، وتحدثت لمدة ٤٥ دقيقة بعد مداخلات النواب، وقالت إن مصر من أقل دول العالم التى تخرج منها انبعاثات ضارة.
وهناك ٣٠ مشروعا قوميا للتصدى للتغيرات المناخية، وتم إعادة تشكيل المجلس القومى للتغيرات المناخية برئاسة رئيس الوزراء وأنه ينفذ العديد من الإجراءات فى جميع المجالات ومنها تبنى سياسات مالية داخلية محفزة وداعمة للمنشآت الصديقة للبيئة وتغليظ العقوبات ضد الممارسات البيئية الخاطئة، وضخ الاستثمارات فى مجالات التخفيف والتكيف وأبحاث للتوقع والتنبؤ. وفيما يتعلق بالإسكندرية فهناك مشروع حماية الشواطئ ويشمل تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية فى منطقة الساحل الشمالى ودلتا النيل بقيمة ٣١٫٣مليون دولار، وإنشاء السدود.
إن الحديث عن غرق الإسكندرية غير مؤكد وهناك أكثر من سيناريو علمى فى هذا المجال ونحن نتخذ الإجراءات المختلفة لمنع حدوث ذلك.
الوزيرة قالت أيضا إن هناك مشروعات لاستنبات محاصيل جديدة تتحمل درجة الحرارة والملوحة، وخريطة تفاعلية لمخاطر تغير المناخ حتى عام ٢١٠٠، والتخفيف من الانبعاثات وتعزيز مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبيوجاز. وإن مصر سوف تستضيف مؤتمر «Cop 27»، أو المؤتمر السابع والعشرين للدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية وهو حدث مهم سوف يساعد مصر فى كثير من الاتجاهات ومنها تعزيز موقف مصر فيما يخص الأمن المائى والترويج السياحى والاستثمارات الاقتصادية وإبرام شراكات مع منظمات وأطراف دولية كثيرة فى العديد من المجالات.
الوزيرة طمأنت النواب، لكن هذا يكفى أم أن الأمر يتطلب التزام الجميع خصوصا الدول الكبرى؟! الموضوع متشعب ومعقد ويحتاج لمزيد من النقاشات، وبالتالى علينا أن نعرف ماذا سيفعل العالم خصوصا الكبار الذين يتحملون المسئولية الكبرى فى الانبعاثات، وماذا ينبغى علينا نحن أن نفعل حكومة ومواطنين فى مصر.. والحديث موصول.