بقلم: عماد الدين حسين
حينما يركب شاب صغير السن سيارة فارهة، ووالده شخصية عامة مشهورة أو ثرية جدا، ويدهس هذا الشاب ٤ من الشباب الآخرين فيقتلهم على الفور، فهل نلوم الشاب فقط أم والده وأسرته، أم من نلوم؟!
مثل هذه النوعية من الحوادث صارت تتكرر كثيرا فى الفترات الأخيرة.
سمعنا وقرأنا عن ابن رجل أعمال شهير فى منطقة القناة تسبب فى مقتل مهندسة ديكور شابة ــ كان لها مستقبل واعد ــ على طريق الغردقة بالبحر الأحمر فى يناير الماضى.
هذا الشاب كان يتعاطى الحشيش وقاد سيارته عكس الاتجاه. وتم حبسه سنة مع إيقاف التنفيذ لمدة ٣ سنوات، وتغريمه مليون جنيه، لكن تم تبرئته من تهمة تعاطى المخدرات لأن الدفاع أثبت أنه تعاطى المخدرات فى سويسرا، التى يحمل جنسيتها أيضا قبل وصوله لمصر بقليل.
فى ديسمبر الماضى تسبب ابن لأحد الوزراء السابقين فى مقتل موظف فى أحد طرق مدينة ٦ أكتوبر بسيارته، وكانت هناك تقارير تفيد أنه كان يقود سيارته أيضا تحت تأثير تناول المخدرات، القتيل موظف ولديه ٤ أطفال ووالدته توفيت بعده بأيام قليلة حزنا عليه.
وهناك بالطبع الحادثة الشهيرة لابن أحد القضاة، الذى صارت شهرته «طفل المرور»؛ حيث قام وأربعة من زملائه بالتنمر والإهانة والتعدى على فرد شرطة تابع لإدارة مرور القاهرة خلال أداء عمله فى المعادى فى نوفمبر من العام الماضى، ويحسب لوالد هذا الفتى المستهتر، أنه أصدر بيانا يقر فيه بخطئه فى تربية ابنه، ويطالب القضاء بأن يحاسبه على جرائمه.
نتذكر أيضا قضية فتاة الفيرمونت، وكيف أن غالبية المتهمين فيها كانوا من أبناء شخصيات عامة مشهورة، والتفاصيل تكشف إلى أى حد يمكن لسوء التربية المقترنة بكثرة الأموال أن يقود الشباب إلى المهالك والفضائح لهم ولأسرهم.
تلك أربع وقائع وحوادث تمت خلال سنة، وربما هناك حوادث أخرى مماثلة، حدثت وتحدث طوال الوقت، ولم تصل لوسائل الإعلام.
نعود للسؤال الذى بدأت به: من نلوم فى هذه الحوادث؟
بالطبع اللوم الأساسى يقع على الشباب أو الفاعلين الأساسيين أى مرتكبى الجرائم.
لكن لا يمكن إطلاقا إعفاء الأسرة خصوصا الأب، لأنه ببساطة فشل فى تربية أولاده بالطريقة الصحيحة.
أعرف تماما ما سيقوله أى أب فى مثل هذه الظروف، وهو أنه مشغول فى عمله جدا من أجل أن تعيش أسرته وأولاده فى أفضل معيشة ممكنة، وأنه يكد ويتعب ويشقى من أجلهم.
هذا صحيح، لكن الأصح أن تربية الأولاد بالصورة الصحيحة، ينبغى أن تتقدم على ما عداها، لأنه حينما ينحرف الأبناء ويرتكبون الجرائم فى لحظات، فإنهم يهدمون كل ما بناه الأب أو الأم فى سنوات.
أنا أعترض تماما على التعميم بأن كل أولاد رجال الأعمال فاسدون، العكس هو الصحيح وأعرف نماذج كثيرة على المستوى الشخصى لأولاد رجال أعمال ناجحين ومتفوقين جدا وقبل هذه وذاك تربيتهم محترمة. لكن المشكلة الأخطر هى أن بعض الآباء خصوصا الأغنياء يقدمون الأموال بلا حساب لأبنائهم الصغار. يشترون لهم أفخر أنواع السيارات والأجهزة الإلكترونية المختلفة وأحيانا الشقق والفيلات المستقلة بعيدا عن بيت الأسرة ورقابتها. هذه الطريقة فى التربية تقود غالبية الشباب ــ إلا من رحم ربى ــ إلى الانحراف لا محالة.
الأبناء خصوصا الذكور، يعتقدون أنه يمكنهم أن يفعلوا أى شىء بأموال أبيهم ونفوذه، وبالتالى فالابن قادر على الإفلات من أى جريمة حتى لو كانت قتل الأبرياء فى الشوارع.
كنت أتحدث صباح السبت مع واحد من أكبر رجال الأعمال والمستثمرين فى مصر، وقال لى بوضوح إنه لا يمكن إعفاء الأب من المسئولية، وأن الأموال لابد أن تقدم بحساب للأولاد، حتى يعرفوا قيمتها وقيمة الجهد والتعب، وبالتالى فإن التربية الصحيحة أفضل وسيلة لعدم ارتكاب الأبناء لمثل هذه الجرائم وغيرها.
أشعر بالتعاطف الشديد مع أى أب يجد أبناءه فى هذه الحالة الصعبة، ويجد نفسه يدفع ثمن انحراف هؤلاء الأبناء، لكن مرة أخرى فإن هذا الأب لا يلوم إلا نفسه، عليه أن يجد وقتا لكى يربى أولاده بصورة صحيحة، من أول عدم تدخين السجائر العادية، مرورا بالمخدرات نهاية بالجرائم الأخلاقية المتعددة، حتى لا يجد حياته وحياة أسرته قد انهدمت بالكامل نتيجة تقصيره فى تربية أولاده بالصورة الصحيحة.
اللهم احفظ أولادنا جميعا من كل الشرور.