بقلم : عماد الدين حسين
لم يحدث فى أى وقت من الأوقات فى تاريخ مصر الحديث أن صارت كل حدودها مع جيرانها بهذه الدرجة من التهديدات والتحديات.
حتى أكتوبر عام ١٩٧٣ كان هناك تهديد واحد ورئيسى اسمه إسرائيل. الآن صار هناك أكثر من ٢٠ تهديدا عسكريا وسياسيا واقتصاديا فى جميع الاتجاهات الاستراتيجية.
لم يتخيل أحد أن تكون ليبيا مصدر تهديد استراتيجى لمصر، وهى التى كانت العمق الاستراتيجى لنا فى حرب ١٩٧٣، حينما نقلنا إليها العديد من الأسلحة وكذلك الطائرات المدنية قبل أن نتوجه للحرب. هذه الحدود، وطولها أكثر من 1200 كيلومتر كانت آمنة إلى حد كبير حتى يناير ٢٠١١، وبعد سقوط نظام معمر القذافى صارت ملتهبة، ومستهدفة من الإرهابيين والمهربين وتجار السلاح والمخدرات والمهاجرين غير الشرعيين. لكن القوات المسلحة ومعها الشرطة تمكنت، أخيرا، من تأمين هذه الحدود بصورة شبه كاملة.
ورغم ذلك فإن عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية فى ليبيا، يمثل صداعا فى رأس كل مصرى، وبالتالى يمكن أن نفهم إصرار مصر على ضرورة وجود حكومة ومؤسسات موحدة وجيش وطنى واحد.
نتذكر أن الرئيس السيسى أعلن فى الصيف قبل الماضى أن مصر سوف تتحرك إذا حاولت أى قوة معادية اجتياز خط سرت والجفرة، وبالفعل كان هذا تطورا دراماتيكيا فى الأزمة الليبية، لأن بقية الأطراف أدركت أن مصر جادة فى هذا الصدد، وبعدها شاهدنا الاتجاه إلى الحل السلمى لكنه لم يتحقق بصورة كاملة حتى الآن.
عدم الاستقرار فى شرق المتوسط وإصرار تركيا على تحدى الجميع والتمركز فى ليبيا هو تهديد للأمن القومى المصرى سواء أمنيا أو اقتصاديا، خصوصا فى ظل اكتشافات الغاز الطبيعى الكبرى، وإيواء تركيا للعديد من قادة وكوادر جماعة الإخوان، وإصرارها على دعم الميليشيات والمرتزقة فى ليبيا.
فى الشمال الشرقى هناك إسرائيل. كانت هى العدو الأساسى والاستراتيجى والوحيد لمصر، حتى تم توقيع اتفاقية السلام عام ١٩٧٩. وظنى أن إسرائيل لاتزال هى العدو الرئيسى، حتى لو ظهر أعداء آخرون بصورة مؤقتة.
مقولة جمال عبدالناصر بأن الصراع مع إسرائيل صراع وجود وليس صراع حدود لاتزال صحيحة، حتى لو حاول البعض «الغلوشة» عليها.
بجوار إسرائيل فإن وجود تنظيمات إرهابية فى بقع صغيرة بشمال سيناء يمثل تهديدا.
أعضاء هذه التنظيمات أدمغتهم جرى غسلها، فى حين أن قادتهم يعملون بوعى أو بدون وعى لخدمة مصالح خارجية خصوصا إسرائيل.
أجهزة الأمن المصرية تمكنت من توجيه ضربات قوية ومؤثرة لهذه التنظيمات، للدرجة التى صرنا لم نسمع فيها عن عمليات إرهابية منذ زمن طويل والحمد لله.
إصرار «حماس» على استمرار الانقسام الفلسطينى هو أفضل خدمة لإسرائيل، ويمثل تهديدا لمصر، فى ظل أن حركة حماس تنتمى فكريا لجماعة الإخوان.
حدودنا مع السودان ملتهبة أيضا. ورغم أن علاقتنا معه حاليا طيبة، لكن عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى السودان، يمثل مشكلة أمنية حقيقية لمصر. وبالتالى فمن مصلحة مصر أن يكون هناك استقرار سياسى واقتصادى وأمنى فى السودان الشقيق، بدلا من أن يكون مصدرا للعنف والفوضى وعدم الاستقرار. ثم إن السودان القوى الموحد والمتماسك هو عنصر قوة لمصر، وهى تحاول معالجة قضية سد النهضة الإثيوبى.
فى الاتجاه الشرقى فإن عدم الاستقرار فى الخليج يؤثر بصورة واضحة على الأمن القومى المصرى من كل الاتجاهات، خصوصا فى ظل وجود جانب كبير من العمالة المصرية فى الخليج العربى، أو الرغبة الإيرانية فى الهيمنة على المنطقة وتهديدها لباب المندب وبالتالى قناة السويس، وصار هناك مستجد آخر يتمثل فى اندفاع بعض دول المنطقة للتطبيع المجانى مع إسرائيل من دون إدراك كامل لخطورة ذلك على الأمن القومى المصرى والعربى.
التهديدات التى تمس الأمن القومى المصرى لا تتوقف فقط على تلك التى تأتى من دول الجوار سواء كان بريا أو بحريا، فأحد أبرز التهديدات تأتى الآن من جانب إثيوبيا حينما تصر على بناء سد النهضة من دون توقيع اتفاق قانونى وملزم مع مصر والسودان.
هناك تهديدات أخرى كثيرة تتمثل فى الحركات والتنظيمات الإرهابية فى إفريقيا والمنطقة العربية، وتأثير الحرب الباردة الروسية الصينية مع أمريكا على المنطقة، وتأثيرات فيروس كورونا ومحاولات استهداف السياحة، أو المس بالاقتصاد المصرى.
مسئول مصرى بارز قال لى قبل أيام نحن مستعدون لمواجهة كل التهديدات الخارجية، مادامت الجبهة الداخلية متماسكة، ومدركة للأخطار المتنوعة التى تهدد الأمن القومى المصرى.. والحديث موصول.