بقلم: عماد الدين حسين
ألم يحن الوقت لفض الاشتباك بشأن تاريخ ٢٥ يناير؟!
البعض ما يزال يصر على أنه تاريخ يخص ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ فقط، ولا ينبغى فيه ذكر أى حدث آخر، حتى لو كان تضحيات الشرطة المصرية العظيمة على مر التاريخ.
والبعض الآخر ما يزال يصر على أنه تاريخ يخص فقط عيد الشرطة وتضحياتها فى ٢٥ يناير ١٩٥٢، وأن ثورة ٢٥ يناير كانت مجرد مؤامرة خارجية بالكامل هدفها تفكيك مصر وبالتالى لا ينبغى تذكرها.
الحقيقة أمر نسبى، فما أراه حقيقة قد يراه غيرى أكذوبة أو خيالا أو مؤامرة أو مخططا أجنبيا هداما.
وبالتالى فإن الحقيقة من وجهة نظرى فى هذا الأمر تقع بين وجهتى النظر اللتين بدأت الحديث بهما.
عيد الشرطة مناسبة وطنية مهمة جدا وينبغى أن نحتفى بها طوال الوقت ونعلمها لأولادنا وأحفادنا وكذلك ثورة يناير قبل أن يتم اختطافها.
فى هذا اليوم ٢٥ يناير ١٩٥٢ تصدى رجال الشرطة البواسل من جنود وضباط لهمجية جنود الاحتلال البريطانى ورفضوا الاستسلام فى مدينة الإسماعيلية، ودفعوا حياتهم ثمنا تمسكا بكرامتهم ووطنيتهم.
هذه القيمة المهمة والكبرى أى الفداء والإخلاص للوطن ينبغى أن ترتفع وتسمو فوق أى خلاف وقتى مع بعض سياسات وزارة الداخلية فى الماضى أو الحاضر.
ما فعله جنود وضباط الشرطة عام ١٩٥٢ كان من أجل مصر وكرامتها وعزتها وشوقها العارم للتحرر والاستقلال من نير الاحتلال البريطانى.
وبالتالى فلا يجوز الخلط بين هذه القمة الكبيرة وبين أى خلاف عابر مع مسئول أو بضعة مسئولين فى وزارة الداخلية قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.
نفس الأمر ينطبق من وجهة نظرى على ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.
هذه الثورة كانت فى بدايتها تحركا عفويا من ملايين المصريين شوقا للحرية والكرامة الإنسانية.
لكن هذه الثورة التى بدأت نبيلة، تم اختطافها للأسف من قبل قوى ظلامية ومتطرفة مسنودة بدعم خارجى واضح ولذلك تعثرت ولم تحقق أهدافها الأساسية.
وبالتالى ينبغى على خصومها أن يفرقوا بين رغبة غالبية المصريين فى الحصول على الحرية والكرامة والمجتمع المتقدم، وبين أخطاء وخطايا القوى المتطرفة التى حاولت ركوبها وللأسف نجحت فى ذلك.
الخلاف مع نتائج ٢٥ يناير ٢٠١١ لا ينبغى أن يجعل أصحابه فى عداء مع القيم والشعارات التى رفعتها من «عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية».
وبالتالى فإن افتعال خلاف بين الحدثين، ثورة يناير وعيد الشرطة أمر مضر وخبيث كما أنه غير منطقى.
لماذا هو غير منطقى؟
لأنه يجعل المدافع عن ثورة يناير مطلوبا منه أن يكون فى حالة عداء مع الشرطة المصرية عموما، وليس حتى مع بعض سياسات الوزارة فى فترات وظروف سياسية متغيرة.
هذه الشرطة هى التى تحمى المصريين وتحقق لهم الأمن والاستقرار، ولولا هذا الاستقرار ما كان ممكنا أن يكون هناك أى أمن أو تنمية أو استثمار، أو حتى مجرد القدرة على السير فى الشوارع فى أمان.
وهو غير منطقى أيضا بالنسبة لخصوم ثورة يناير، لأنه يجعلهم فى حالة عداء ليس مع قوى التطرف والظلام وهذا حقهم، ولكن فى حالة عداء مع القيم التى رفعتها هذه الثورة التى انضم لها الجيش، ولولاه ما كان ممكنا نجاحها النسبى فى البداية!!
هل يعقل أن يخرج شخص من الذين يهاجمون ثورة يناير ليقول إنه ضد الحرية أو الكرامة الإنسانية أو العدالة الاجتماعية أو منع توريث الحكم؟!
إذن من وجهة نظرى علينا أن نوفق بين الحدثين المهمين، عيد الشرطة وثورة يناير، لأن الأقدار شاءت أن تندلع الثوة فى نفس يوم عيد الشرطة.
من حق البعض أن يختلف مع بعض سياسات وزارة الداخلية، لكن ليس من حقهم بالمرة إنكار الدور الوطنى والمهم جدا لغالبية رجال الشرطة فى كل وقت وحين. ومن حق خصوم ثورة يناير أن يختلفوا معها، لكن ليس من حقهم أن يختلفوا مع القيم التى رفعها الشباب البرىء والنبيل فى بدايات الثورة قبل أن يتم اختطافها.
ثم إن رئيس الجمهورية قال نصا يوم الأحد الماضى وخلال الاحتفال بعيد الشرطة من مقر الاكاديمية: «لا يفوتنى أن أوجه لكم التحية بمناسبة ثورة 25 يناير، التى عبرت عن تطلع المصريين، لبناء مستقبل جديد لهذا الوطن ينعم فيه جميع أبناء الشعب بسبل العيش الكريم، والطريق ما يزال أمامنا طويلًا».