بقلم: عماد الدين حسين
أحد الأصدقاء زار مدينة عربية مؤخرا فى اليوم الذى كان العالم العربى يحتفل فيه بيوم اللغة العربية، وحينما دخل الغرفة واستقر بها، لساعات، وأراد أن يخرج، بحث عن اللافتة الورقية لكى يضعها على باب غرفته حتى يأتى أحد أفراد خدمة الغرف ويقوم بإعادة تنظيف وترتيب الغرفة.
وحينما أمسك باللافتة كاد أن يغمى عليه من شدة الإساءة للغة العربية. فقد كان مكتوبا على اللافتة بالإنجليزية عبارة «please «make up room لكن الترجمة العربية لها كانت كارثية حيث كتبت كالآتى: «يرجى يشكلون غرفة».
المفترض أن الترجمة الأقرب هى «الرجاء ترتيب الغرفة»، وحتى أظن أن العبارة الإنجليزية غير دقيقة. والمؤكد أن الذى قام بكتابة هذه العبارة أحد الموظفين أو العاملين الهنود أو الباكستانيين أو البنغال.
وبدلا من قيام هذا الفندق بمراجعة كل اللافتات والكتابات والتعليمات من قبل شخص يجيد اللغة العربية إجادة حقيقية، فإنهم استسلموا للأمر والأسوأ هو أن هذا الخطأ الفادح والفاضح لم يلفت نظر أى شخص.
هذا الخطأ ليس جديدا، لكنه منتشر فى العديد من المدن العربية التى تكثر فيها العمالة الآسيوية. هذه العمالة لها كل التحية والتقدير على جهودهم فى تنمية بعض بلادنا العربية، لكن ليس معنى ذلك أن يقوموا أيضا بعملية الترجمة من العربية إلى الإنجليزية أو العكس بهذه الطريق.
سيقول البعض ولكنه مجرد خطأ صغير وعابر ولا يمكن تعميمه، لكن من سوء الحظ أن من يسير فى بعض شوارع المدن العربية سوف يكتشف الضرر البالغ الذى تعرضت له اللغة العربية بسبب «الجهود الآسيوية» وبالتالى هو ليس مجرد حالة أو سلوك فردى.
قبل سنوات كنت أسير فى إحدى هذه المدن وقرأت عبارات وإشارات وعلامات شديدة الكوميدية وفى نفس الوقت شديدة العبثية والمأساوية.
كانت هناك أعمال حفر وبدلا من كتابة «انتبه أمامك تحويلة»، تحولت إلى «انتبه أمك تحويلة»!!!!!.
وهناك عبارات أخرى لا يمكن ذكرها لأنها تحمل مدلولات مسيئة جدا، من دون قصد طبعا.
فى العديد من المدن العربية، وليست الخليجية فقط، صارت لدينا عمالة من جنسيات متعددة خصوصا الهند والفلبين وبنجلاديش وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان، وهؤلاء يتم تركهم مع الأطفال لأطول فترة ممكنة ولنا أن نتخيل النتيجة المتوقعة بعد سنوات، ليس فقط على مستوى اللغة، ولكن على مستويات متعددة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ونفسيا.
الاحتفال باللغة العربية لا يكون فقط بالكلمات والاحتفالات والمهرجانات رغم أهميتها، لكن يكون بالبحث والتفكير فى كيفية الحفاظ على هذه اللغة على أرض الواقع.
فى بعض المدن العربية خصوصا فى الخليج يمكنك أن ترى العجب، بحيث أن الزائر الغريب لهذه المدن، قد يعتقد أنه زار مدينة فى الهند أو باكستان أو بنجلاديش أو إيران، العمالة من هذه الدول تكاد تكون أغلبية فى بعض المناطق بهذه المدن، بل أن أبناء البلد يشعرون أنهم غرباء فيها.
صحيح أن غالبية المواطنين أبناء هذه المدن يفضلون العيش فى ضواح بعيدة عن المدن المزدحمة بالعمالة الوافدة، حتى لا يختلطوا بهم، لكن هذا الأمر حول بعض هذه المدن والأحياء إلى مناطق آسيوية كاملة، لا تسمع فيها كلمة عربية واحدة، أو تسمع كلمات عربية مكسرة أو لغة إنجليزية شديدة الركاكة.
وحينما يتواجد أحد العرب فى هذه الأماكن ويريد أن يتحدث بلغته الأم فى بلده أو وطنه العربى فإنه يسمع العبارة الشهيرة «رفيق.. ما فى عربى هون».
الموضوع شديد الخطورة وشديد التعقيد، بل قرأنا تصريحا مهما قبل أسابيع للشيخ تركى الفيصل رئيس جهاز المخابرات السعودى الأسبق يحذر فيه من أن أبناء الخليج قد يتحولون إلى أقلية فى بلدانهم بسبب التركيبة السكانية المختلة، وهو أمر من المهم أن نعود إليه لاحقا.