بقلم: عماد الدين حسين
هل يدرك عموم المصريين خطورة قضية التغيرات المناخية وتأثيرها على حياتهم ومستقبلهم، ومستقبل أولادهم، وإذا كانوا لا يدركون، فكيف نجعلهم يفعلون ذلك، وما هى الوسائل والآليات والأدوار، حتى تصل الرسالة إلى كل مواطن صغيرا كان أم كبيرا؟
هذه قضية فى غاية الأهمية ومتداخلة مع كل قضايا الوطن، ولا تقل شأنا عن قضية مياه النيل وسد النهضة والإرهاب، والإصلاح الاقتصادى، بل ربما هى متداخلة ومتشابكة مع كل القضايا بصورة كبيرة.
التغيرات المناخية إذا حدثت بالصورة التى يتحدث عنها العالم، ستكون لها تأثيرات خطيرة على الجميع، ومنها مصر، وبالتالى نسأل مرة أخرى: كيف نيقظ وعى المصريين بهذه القضية المهمة؟
الحكومة المصرية تتحدث طوال الوقت عن خططها لمواجهة هذه القضية القومية، والدكتورة ياسمين فؤاد تحدثت ظهر يوم الإثنين الماضى أمام مجلس الشيوخ عن حزمة متنوعة من القرارات والإجراءات والخطط والمشروعات والاستراتيجيات لمواجهة ظاهرة التغير المناخى.
لكن ما أتحدث عنه اليوم لا يتعلق بخطط الحكومة وإجراءاتها الكبرى، بل بالسلوكيات اليومية لكل مواطن مصرى على حدة، حتى نقلل الأضرار إلى أقل قدر ممكن.
قلت قبل ذلك إن قضية التغيرات المناخية عالمية والدول الكبرى الصناعية خصوصا الصين وأمريكا وأوروبا والهند هى المتسبب الأكبر فى هذه الظاهرة الخطيرة، التى ستؤثر على مستقبل الكوكب بأكمله، وليس فقط تأثر مدينة أو ثلاث أو حتى غرقها. لكن وجود وعى شامل فى أى مكان بهذه القضية الخطيرة، سوف يقود إلى علاج الظاهرة، أو التقليل من آثارها الخطيرة.
نعلم أن التغيرات المناخية لها تداعيات وتأثيرات كثيرة ومتنوعة، وبالتالى فأى سلوك سليم وصحيح ومتوافق مع البيئة يتخذه كل فرد منا، سوف يكون مؤثرا فى عملية العلاج.
وهناك العديد من الممارسات التى قد يراها كثير منا صغيرة، فى حين أن تأثيرها كبير للغاية، على المدى البعيد.
تخيلوا مثلا لو أن كل مصرى حافظ على المياه مثلا، باستخدامها أولا بصورة رشيدة وعدم إهدارها، أو لم يقم برش الشوارع، كما يفعل البعض فى الريف أحيانا، أو حرص على إصلاح السباكة فى بيته، حتى لا يهدر المياه العذبة فى المجارى.
وتخيلوا لو أن الفلاح حاول بمساعدة الحكومة ترشيد استخدام مياه الرى، واستخدام الطرق الحديثة فى الرى مثل التنقيط والرش بديلا لطريقة الغمر التقليدية والقديمة والمستهلكة للمياه.
وتخيلوا أيضا لو أن الفلاحين قللوا من زراعة المحاصيل التى تستهلك كميات أكبر من المياه، لأننا حينما نزرعها ننسى أننا نصدر هذه المياه مجانا للخارج، ونرفع من تكلفة استيرادنا للسلع المماثلة الأخرى.
تخيلوا لو أن كل مواطن توقف عن استخدام الأكياس البلاستيك الرديئة التى تلعب دورا خطيرا فى تلويث البيئة، وكثيرون فى العالم يلقونها فى الترع والأنهار والمحيطات ومعظمها لا يتحلل، بل يستمر ملوثا للبيئة. تخيلوا لو أننا استخدمنا بدائل نظيفة مثل الأكياس الورق الذى يمكن أن يعاد استخدامها أكثر من مرة.
وبما أن هذه القضية سوف تصبح موضوعا عالميا لسنوات طويلة، وبما أنها سوف تؤثر علينا وعلى العالم أجمع، فإننى أقترح أن ندرج منهجا ثابتا عن هذا الموضوع فى كل المراحل التعليمية من أول الحضانة حتى المرحلة الجامعية يحيث نشرح لأطفالنا وأولادنا وطلابنا طبيعة القضية وخطورتها وما الذى ينبغى على كل فرد أن يفعله.
أعرف أن هناك برامج فى بعض الجامعات خصوصا الخاصة والأجنبية بالقاهرة عن التغير المناخى، وهذا أمر مهم لكن ما نحتاجه أكبر من ذلك. نحتاج أن يتعلم الصغار فى المدارس ما ينبغى عليهم أن يفعلوه فى حياتهم اليومية بشأن هذه القضية. نحتاج أن نعلمهم ضرورة الحفاظ على البيئة النظيفة، ليس فقط لأنها قضية تخص حياتنا ومستقبلنا، ولكن لأنها أيضا أوامر إلهية وردت فى كل الكتب المقدسة وأوصت بها جميع الأديان تقريبا.
مرة أخرى أعرف أن الحكومة تقوم بجهود مختلفة فى هذا الاتجاه من أول تبطين الترع إلى حماية الشواطئ، مرورا بالمشروعات صديقة البيئة وسن تشريعات عقابية لمن ينتهك قوانين حماية البيئة، لكن مرة أخرى نحتاج للمزيد والأهم إلى توعية الناس خصوصا الصغار فى المدارس بحيث تكون هذه التوعية فى إطار خطة قومية شاملة، فى كل المجتمع من أول الأسرة نهاية بالمدرسة مرورا بالإعلام والمجتمع المدنى ودور العبادة.
أخيرا نسأل: من المتهم الأكبر فى العالم بتهديد الكوكب مناخيا، وهل من أمل أن يتوقف جنون هؤلاء الكبار حتى لا يدمروا الكوكب بأكمله؟