بقلم : عماد الدين حسين
سؤال: ماذا لو قررت شركة نتفليكس أن تنتج مسلسلا أو فيلما روائيا أو وثائقيا مسيئا شكلا ومضمونا لمصر أو لأى دولة عربية؟!
أطرح هذا السؤال حتى يكون نقاشنا موضوعيا وهادئا وعمليا، وليس حماسيا فقط. مناسبة السؤال هو الجدل الذى ثار خلال عرض فيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيرى والمنتج محمد حفظى فى مهرجان الجونة، وهو الفيلم الذى سبق وأن فاز قبل أسابيع بجائزة خاصة فى مهرجان كان السينمائى.
فى هذه السطور لا أناقش مضمون فيلم «ريش»، لأنى لم أشاهده حتى الآن، ولكن أحاول تسليط الضوء على الطريقة الأمثل من وجهة نظرى للتعامل مع هذه القضايا، التى يبدو أنها ستتكرر كثيرا فى الفترة المقبلة.
الفيلم تم إجازته رقابيا، وشارك فى مهرجان كان، وبالتالى كان منطقيا أن يشارك فى مهرجان الجونة، أو أى مهرجان آخر داخل أو خارج مصر.
سوف نفترض نظريا أن الرقابة على المصنفات الفنية رفضت التصريح للفيلم من البداية، وبالتالى لم يكن ممكنا فى هذه الحالة عرضه فى دور العرض المصرية.
هذه هى الآلية الطبيعية، لكن ظهور نتفليكس وغيرها قلّص كثيرا من دور وصلاحيات وسلطات أجهزة الرقابة الفنية الوطنية لكل دول العالم.
الآن صار بإمكان هذه الشبكات الدولية المتعولمة، ليس فقط أن تبث الأعمال الفنية، من وراء ظهر السلطات الوطنية لكل دولة، بل أن تنتجها مباشرة. وبالتالى فالسؤال الصحيح هو: ماذا سنفعل فى مصر مثلا إذا قررت نتفليكس وغيرها، أن تنتج فيلما يتبنى مثلا وجهة نظر الجماعات المتطرفة والإرهابية والظلامية او حتى يشوه الواقع؟!
رأينا مثل هذه الشبكات الدولية تنتج وتبث العديد من الأعمال الفنية المخالفة تماما لوجهة نظر عدد كبير من دول العالم، التى لم يكن فى إمكانها منع ذلك عمليا.
هذه الشبكات صارت خارج سيطرة الحكومات، يكفى فقط لأى مواطن فى أى مكان بالعالم أن يمتلك فقط شاشة تليفزيون ذكية، والاشتراك فى هذه الشبكة أو تلك، بمقابل ليس كبيرا، والأهم أن أى شخص يمكنه مشاهدة برامج وأفلام ومسلسلات وأغانى هذه الشبكات عبر جهاز الهاتف المحمول.
مرة أخرى فالسؤال هو: ماذا يمكن أن تفعل الدول لمنع بث المواد والبرامج والأفلام التى تراها مسيئة لها ولسياستها وقيمها وتقاليدها؟!
كثيرون يتوقفون عند المواد ذات الصبغة السياسية فى هذه الشبكات، وينسون للأسف أن هذه الشبكات صارت تساهم بشكل كبير فى نشر قيم وأفكار مخالفة تماما لقيم وأفكار الدول والمجتمعات العربية والإسلامية وغيرها.
العديد من برامج وأفلام هذه الشبكات صارت مثلا تحرص على وجود شخصيات مثلية، بل ويحدث ذلك فى الكرتون، وأحيانا فى برامج يراها الأطفال، وهو الأمر الذى يجعل هذه الأفكار تبدو عادية بالتدريج.
وقبل أيام قرأت تقريرا مهما على موقع «بى بى سى»، يقول إن سلاسل الأفلام والمسلسلات الخارقة مثل سوبر مان والأسماء الكثيرة فى هذا المجال مثل مارفل ودى سى كوميكس، سوف تسعى لإدخال المزيد من التنوع وتقبل الاختلاف إلى عالمها المدهش للأبطال الحارقين.
ومثلا فإن بطل أحدث أفلام سوبر مان سيكون مزدوج الميل الجنسى وربما يشمل التغيير أن يكون الأبطال من خارج التصورات المعهودة، بحيث يكونون سودا أو مسلمين أو من ذوى القدرات الخاصة.
إذا النقطة الجوهرية هى أننا لم نعد سواء فى مصر أو خارجها، نستطيع منع ما نريد من أفلام أو مسلسلات أو برامج، وبالتالى نعيد طرح السؤال مرة أخرى: ما هى الطريقة الأفضل لمواجهة أى مواد درامية أو ثائقية قد يرى البعض أنها مسيئة لبلده؟!!
مبدئيا علينا أن نتفق أن كلمة «مسيئة» نسبية وحمالة أوجه، وما تراه أنت مسيئا لبلدك، قد يراه آخرون من بلدك أيضا أنه غير مسىء.
الأهم من وجهة نظرى أن ننتج أفلاما ومسلسلات وبرامج جذابة ومتنوعة تجذب انتباه واهتمام المصريين والعرب وتحصن مجتمعاتنا بالقيم والأفكار الصحيحة التى تجمع عليها الغالبية.
منع وحظر الأفلام والمسلسلات لن يحل المشكلة، بل ربما يساهم فى ترويجها وتسويقها، وعلينا أن نتذكر أن مسلسلا واحدا هو «الاختيار»، أو فيلما واحدا هو «الممر» نجح فى نسف غالبية دعايات وكتابات المتطرفين، وجعل غالبية المصريين يتأكدون من خطأ وخطر هذه الجماعات الإرهابية.
لو أن هناك فيلما أو مسلسلا سيئا، علينا أن نواجهه بفيلم مسلسل جيد ومصنوع بصورة فنية جذابة، المنع وحده لا يفيد فى هذه الحالة.