بقلم: عماد الدين حسين
أحد أبرز الحلول للخروج من الأزمة الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر والعالم الآن، هو أن تدعم الدولة القطاع الخاص المنتج بكل الطرق الممكنة.
هناك فكرة مغلوطة لدى كثيرين حينما يعتبر البعض المطالبة بدعم القطاع الخاص، وكأنه جريمة، ودعوة إلى الفسق والفجور والفساد، وسبب ذلك قصص فساد كثيرة لبعض المحسوبين على القطاع الخاص من رجال الأعمال، حينما بدأت تجربة الانفتاح الاقتصادى عام ١٩٧٤ بعد حرب أكتوبر المجيدة وما تلاها.
تسليط الإعلام الضوء على هذه النماذج، إضافة لصورة رجل الأعمال باعتباره لصا إلى أن يثبت العكس فى الدراما التليفزيونية والسينمائية، كَرّسَا هذا المفهوم، إضافة بالطبع إلى أن بعض المسئولين فى عقود سابقة تواطأوا مع بعض رجال الأعمال مما أهدر الكثير من المال العام، بصورة عززت من هذا الانطباع السيئ.
هل معنى كلامى أن مجتمع رجال الأعمال مجموعة من الملائكة يحلقون فى سماء الخير والبر الفضيلة؟!
الإجابة هى لا قطعا، وشأن أى تجمع أو مجموعة أو فئة أو جماعة، فهناك الجيد والسيئ، ويفترض أن يكون هناك قانون يكافئ المُجِد ويعاقب الفاسد.
حينما نطالب الحكومة بدعم القطاع الخاص المنتج، فنحن نتحدث عن المنتجين وليس عن اللصوص. نتحدث عن المستثمر الذى يؤسس مشروعا، ويدفع مقابل ذلك أموالا كثيرة لا تدر عائدا سريعا، لكنه يوظف عمالة وموظفين كثيرين ينتجون سلعا أساسية تفيد المجتمع، ويتقاضون مرتبات ثابتة، ويؤسسون أسرا، ويعيلون أفرادا غيرهم إضافة إلى أن المستثمر يدفع الضرائب.
الحكومة أقامت مشروعات كثيرة مهمة فى البنية التحتية فى السنوات الماضية مما مكنها من توظيف عمالة كثيرة، لكن هذه المشروعات حينما تنتهى يفقد العاملون فيها وظائفهم، ويبدأون فى البحث عن وظائف أو مشروعات أخرى.
وصحيح أيضا أن القطاع الخاص هو الذى نفذ غالبية هذه المشروعات التى حافظت على نسبة نمو اقتصادى فوق الـ٥٪ طوال السنوات الماضية، لكن نحن نتحدث عن الاقتصاد الطبيعى والمستدام الذى يوفر فرص عمل دائمة.
الذين يعملون فى الحكومة والقطاع العام نحو ٥ ملايين شخص، فى حين يعمل فى القطاع الخاص أكثر من ٢٥ مليون شخص، وإذا كانت الحكومة قد توقفت عن التعيينات، إلا ما ندر منذ سنوات، فإن القطاع الخاص هو الذى يفترض أن يوفر غالبية الوظائف لنحو ٧٠٠ ألف خريج سنويا، يدخلون سوق العمل.
المستثمر، حينما يبنى مصنعا ينتج سلعا يحتاج إليها السوق، فهو أولا يوظف عمالة وينقذها من جحيم البطالة، ثم إن هذا المصنع يمكن أن يصدر سلعا للخارج، وفى هذه الحالة فهو يوفر للبلد عملة أجنبية.
ما نحتاج إليه هو آلاف وملايين الناس من هذه النوعية المنتجة. هؤلاء هم الذين يفترض أن تدعمهم الحكومة بكل السبل الممكنة، تقدم لهم الدعم والتسهيلات والحوافز، وتدعم لهم الصادرات مثلما تفعل كل الأمم المتقدمة. فى حين أن رجال الأعمال الذين لا يضيفون شيئا للاقتصاد، ويعملون فى سلع غير أساسية مرفهة، أو يتحدثون من دون أن ينتجوا، أو أودعوا أموالهم بالخارج، فلا ينبغى أن يحصلوا على نفس الدعم.
القاعدة ببساطة أن من ينتج سلعا أساسية، ويوظف عمالة كثيرة ويصدر للخارج يحصل على كل أنواع الدعم، خصوصا إذا كان يقيم مشروعه فى مناطق مثل الصعيد مثلا، أو ينتج سلعا استراتيجية مثل البتروكيماويات أو المعدات، أو كل ما من شأنه أن نصدره أو أن نقلل استيراده من الخارج.
اقتصادنا قوى ومتنوع لكن الفترة المقبلة صعبة جدا، فالائتمان بالعملات الصعبة لن يكون متاحا إلا للسلع الرئيسية، وهو قد يؤدى إلى تعثر البعض، والمواد الخام قد لا تتوافر بسهولة، وبالتالى علينا أن نبحث عن السلع التى نستوردها ونقول للمستثمرين: من يصنعها محليا فسوف يجد كل أنواع الدعم.
مرة أخرى الحلول لن تكون سهلة، لكن لا مفر من الإنتاج ثم الإنتاج، بغض النظر عمن يقوم به سواء الحكومة أو القطاع الخاص، طالما أن ذلك يتم فى إطار القانون، وفى إطار من المنافسة العادلة.
لا حل متاحا إلا بزيادة الإنتاج حتى لا نمد يدنا لهذا أو ذاك، وحتى لا نجد أنفسنا فى كل مرة تحت رحمة ظروف يصنعها الآخرون سواء كانت كورونا أو أوكرانيا.
ملحوظة: هذا المقال كتبته قبل أكثر من شهر وأمس الأول تحدث رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى فى مؤتمره الصحفى الكبير عن خطوات ملموسة لدعم القطاع الخاص وهو أمر يستحق نقاشا مفصلا إن شاء الله.