بقلم : عماد الدين حسين
هل هناك جديد لم يقال عن حرب أكتوبر المجيدة التى انتصرت فيها مصر وسوريا على العدو الإسرائيلى، الذى كان يقول عن نفسه إنه لا يقهر؟!
الجديد ربما يكون موجودا لدى من عاصروا هذه الحرب، ولم يدلوا بشهاداتهم بعد، ربما يكون أيضا فى أدراج شديدة الإغلاق داخل بعض المقرات فى دول المنطقة.
لكن أظن أن الجديد الذى يفترض أن نقوله ونكرره دائما للأجيال الجديدة، هو الحكمة الخالدة ومفادها أننا قادرون على تحقيق النصر، ليس فقط فى الحرب ولكن فى التنمية والتقدم طالما أخذنا بالأسباب.
حينما اندلعت حرب أكتوبر كان عمرى تسع سنوات فقط، وما أتذكره أننى ذهبت إلى المدرسة صباحا، ودخلت إلى الصف الثالث الابتدائى فى مدرستى بقرية التمساحية الابتدائية المشتركة بمركز القوصية بأسيوط، وحينما بدأت الحرب قالوا لنا فى المدرسة: «عودوا إلى بيوتكم ولا ترجعوا للمدرسة إلا حينما نخبركم».
الذين ولدوا بعد ٦ أكتوبر ١٩٧٣، عمرهم الآن ٤٧ عاما، أى أنهم لم يدركوا مرارة هزيمة يونيو ١٩٦٧، ولم يشعروا أو يجربوا مهانة الاحتلال الصهيونى لشبه جزيرة سيناء، والجولان والضفة الغربية وغزة والقدس.
هؤلاء ولدوا وكبروا وهم يسمعون أغانى الانتصار فى ١٩٧٣، لكن أظن أن الجيل الجديد ــ الذى يتعرض لدعايات متتالية فى الداخل والخارج تقول له إن إسرائيل هى الأفضل والأغنى والأقوى والأكثر تقدما فى كل المجالات ــ يحتاج لاستخلاص العبر والدروس المهمة جدا من حرب أكتوبر، خصوصا أنها الحرب العربية النظامية الرئيسية الوحيدة التى انتصر فيها المصريون والعرب على إسرائيل منذ نكبة مايو ١٩٤٨.
الجيل العربى الجديد المفتون بالغرب وأحيانا بإسرائيل، ومعظمهم يحلم ليل نهار بترك المنطقة والهجرة إلى الولايات المتحدة أو أوروبا أو أستراليا، لا نستطيع أن نلوم هذا الجيل فهو يعيش واقعا عربيا مأزوما ومأساويا، ولكن نلوم أنفسنا، لأننا لم نقدم له نموذجا مغريا يجعله يتمسك بوطنه، وصارت الصورة الأكثر تعبيرا عن مأساة هذه الأمة، هى قوارب المهاجرين المتجهة من السواحل العربية إلى السواحل الأوروبية، وبعض هؤلاء يتحول إلى وجبة دسمة للأسماك الضخمة فى البحر المتوسط.
ما هى الرسالة التى يجب أن ننقلها للأجيال الجديدة ونحن نحكى لهم عن حرب أكتوبر؟!
نحتاج أن نقول لهذا الجيل الجديد، إن النجاح والتفوق والانتصار على إسرائيل وعلى أى عدو غيرها ممكن ووارد جدا. طالما تم اتباع نفس القواعد والخطط التى جعلتنا ننتصر على إسرائيل.
من المهم أن نقول لهم إن القوات المسلحة المصرية تمكنت من إعادة تنظيم نفسها بسرعة قياسية بعد الهزيمة المؤلمة فى يونيو ١٩٦٧، بل وبدأت حرب الاستنزاف مع العدو بعد أيام قليلة من الهزيمة.
مصر لجأت إلى العمل والعلم بعد الهزيمة، وجندت الحاصلين على الشهادات الجامعية، والجميع اندمج فى فكرة واحدة وهى ضرورة تحرير الأرض من دنس المحتل.
قرأنا عن بطولات فردية كثيرة من أول «الشفرة النوبية» التى اخترعها المجند إدريس عليه رحمة الله، نهاية بصاحب فكرة استخدام خراطيم المياه لهدم خط بارليف باقى زكى يوسف، مرورا بمئات وآلاف البطولات الفردية الكبيرة.
نحتاج أن نقول للجيل الجديد إننا حينما أوكلنا الأمر للكفاءات وأهل الخبرة وليس أهل الثقة انتصرنا.
ونحتاج أن نقول لهم إن الشعب كله ضحى بالكثير من أجل هذا الانتصار، الذى لم يكن ليتحقق لولا هذا الصبر.
نحتاج أن نقول لهم إن التخطيط والاستعداد والجهد والتعب والتضحيات هى أثمان طبيعية للانتصار، وأنه لا يوجد انتصار مجانى من دون ثمن.
نحتاج أن نقول لهم، إنه حينما شهدنا تضامنا عربيا معقولا، حققت الأمة العربية انتصارا مهما، وبدأت تبرز قوة التضامن العربى خصوصا فى وقف تصدير البترول للدول التى تدعم إسرائيل ولذلك كان مفهوما أن تحاول إسرائيل ومن يساندها أن تخرب العلاقات العربية البينية بكل الطرق.
نحتاج أن نقول للشباب العربى صغير السن إنه لا شىء مستحيل طالما خلصت النوايا، وتوافرت الظروف الموضوعية المناسبة.
تحية تقدير وإجلال واحترام لكل من ساهم فى انتصار أكتوبر.