بقلم: عماد الدين حسين
هل نوعية المنتجين والمستثمرين وأصحاب ورجال الأعمال الموجودين الآن قادرون على أن يحققوا قفزة نوعية فى الإنتاج والتصدير إضافة إلى سد حاجة السوق المحلية؟!
أطرح هذا السؤال لأن الحل الرئيسى لمعظم مشاكلنا هو الإنتاج والتصدير.
قبل الإجابة عن السؤال يجدر بنا العودة قليلا للوراء وخصوصا إلى عام ١٩٧٤، حينما بدأت مصر ما سمى بسياسة الانفتاح الاقتصادى، هذه السياسة جاءت فى أعقاب الانتصار فى حرب أكتوبر المجيدة، وبعد أكثر من عقدين من سياسة التخطيط المركزى والدور الأكبر للقطاع العام فى قيادة عملية التنمية خلال العهد الناصرى.
سياسة السادات تعرضت لانتقادات عديدة خصوصا من اليسار المصرى ووصفها الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين بأنها «انفتاح السداح المداح»، وأنها أفرزت نوعيات من رجال الأعمال الذين جلبوا لمصر الفراخ الفاسدة والتهريب، وليس الإنتاج الحقيقى.
العديد من الدول التى بدأت نفس السياسة مع مصر أو قبلها بقليل خصوصا دول جنوب شرق آسيا حققت قفزات نوعية فى الإنتاج، وصارت فى مقدمة الدول العشر الأكبر فى التصدير ومنها الصين، وكذلك كوريا الجنوبية، وسنغافورة وقبلهم جميعا اليابان، وبعدهم بمراحل أقل إندونيسيا وفيتنام والفلبين.
لكن هناك وجهة نظر تقول إن ما حدث فى مصر فى منتصف السبعينيات، حدث فى معظم البلدان التى تقدمت لاحقا، فاقتصاد الخدمات كان هو البداية الطبيعية لغالبية هذه الدول التى تقدمت، بل إن كثيرا من المراقبين والمحللين كانوا يصفون هذه البلدان بأنها «مستودع نفايات الرأسمالية الغربية».
وفى المنتصف هناك وجهة نظر ثالثة تقول إن البدايات كانت خاطئة، رغم أنها تكررت فى العديد من الدول الأخرى. لكن طبيعة هذه المرحلة أفرزت نوعية من المنتجين كانت تفضل المكسب السريع بلا جهد حقيقى.
لم يكن بينهم الكثير من الصناعيين بل أولئك الذين فضلوا المكاسب السريعة عبر التوكيلات الأجنبية، وكل ما يمت إلى الخدمات. والبعض تاجر فى الآثار أو السلاح أو المخدرات، وبالتالى فكان طبيعيا أن نرى هذه الصورة المشوهة والتى لم تؤد إلى تراكم حقيقى يقود بدوره إلى صادرات حقيقية ضخمة. تضع مصر فى المكان الذى تستحقه.
أحد الخبراء الاقتصاديين وعندما سألته عن هذه النتيجة: قال لى إن معظم البلدان الكبرى فى التصدير مرت بنفس المراحل، ولا يمكن الوصول لمرحلة من دون المرور بما قبلها.
على سبيل المثال فهناك مستثمر يبدأ بالتركيز على الاستيراد، وبعدها يقول لنفسه إننى يمكننى أن أكسب أكثر إذا عملت هذه الصناعة، ثم يكتشف أنه يمكن أن يكسب أكثر وأكثر إذا دخل فى صناعة أكثر تعقيدا، وهكذا ففى كل مرحلة يتطور حتى يصل إلى ما يسمى بمرحلة تعميق الصناعة.
فى تقدير البعض أن ما حدث ليس بسبب سوء سياسات الحكومات السابقة فقط، ولكن لأن جانبا كبيرا من القطاع الخاص فضل وأدمن المكسب السهل والسريع.
فى كل الأحوال فإن الحكومات تتحمل المسئولية الكبرى، لأنها هى التى كانت توجه وترشد وتضع السياسات وتتغاضى عن الأخطاء، كان ينبغى أن تتوقف هذه الحكومات أكثر من مرة، وتسأل نفسها: لماذا حدث ما حدث، ولماذا لم نحقق ما حققته دول أخرى كثيرة بدأت معنا؟!!
مرة أخرى من الطبيعى أن يفضل أى رجل أعمال أو مستثمر المكسب السريع والسهل، لكن دور الحكومة أن تحفز وتشجع وتدعم الجميع، بحيث يركزون أكثر على الصناعات التى تحقق إنتاجا وتصديرا أكبر وهو ما يقود إلى مزيد من فرص العمل وعملات أجنبية أكثر.
الحكومة بدأت منذ فترة استئناف دعم الصادرات، وهو توجه محمود، وهناك من يطالب أيضا بضرورة دعم صادرات الخدمات باعتبارها ناتج دعم وقت وجهد وعمل العاملين وتقوم بتشغيل عدد كبير من الناس.
نتمنى أن تستوعب الحكومة الآن كل تجربة السنوات الماضية، وأن تسأل نفسها سؤالا واحدا: لماذا لم نصل إلى ما كنا نريد أن نصل إليه، وكيف يمكن أن نتلافى كل الأخطاء السابقة لكى نضع بلدنا على بداية الطريق الصحيح؟