بقلم : عماد الدين حسين
من الذى ربح ومن الذى خسر من انعقاد القمة الإقليمية الدولية فى العاصمة العراقية بغداد ظهر يوم السبت الماضى؟
الكاسب الأكبر هو الشعب العراقى الباحث عن الاستقرار والأمن والتنمية والتقدم، والخاسر الظاهر حتى الآن هم الإرهابيون والمتطرفون والميليشيات الطائفية، ولكن بشرط أن تتحول الكلمات والشعارات والعبارات التى قيلت أثناء المؤتمر إلى واقع ملموس.
أحد الرابحين الكبار من هذا المؤتمر هو مصطفى الكاظمى رئيس وزراء العراق، الذى يسعى منذ فترة إلى هدف جوهرى هو وقف استخدام العراق إلى ساحة لتصفية الخلافات والصراعات الإقليمية والدولية. هو صاحب فكرة المؤتمر منذ أسابيع، واستطاع أن يقنع بها كل جيران العراق إضافة إلى دول أخرى شقيقة وصديقة للعراق مثل مصر والإمارات وقطر وفرنسا، والمؤكد أن انعقاد المؤتمر بهذه الصيغة سيصب فى صالح إجراء الانتخابات النيابية العراقية فى 10 أكتوبر المقبل.
مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى ممثلا لمصر أكبر وأهم دولة عربية، أعطى القمة ثقلا مهما، وكذلك وجود الرئيس الفرنسى مانويل ماكرون وملك الأردن عبدالله الثانى، إضافة إلى وجود السعودية والكويت والإمارات.
غابت سوريا رغم أنها من جيران العراق، الذى كان يرغب فى حضورها، وكذلك بعض الدول المدعوة، لكن وجودها كان من شأنه أن ينسف الفكرة، أو يخفّض من مستوى التمثيل، ولذلك رؤى عدم دعوة الرئيس بشأن الأسد أو من ينوب عنه ضمانا لعدم تفجير القمة قبل بدايتها.
مستوى التمثيل كان معقولا إلى حد كبير. رؤساء مصر وفرنسا وملك الأردن، لكن تمثيل تركيا وإيران كان على مستوى وزيرى الخارجية تشاوش داود أوغلو وأمير حسين عبداللهيان الذى أثار مشكلة بروتوكولية بوقوفه فى الصف الأول مع رؤساء الدول أثناء التقاط الصورة التذكارية الرئيسية.
العراق دعا إبراهيم رئيسى الذى تولى منصبه رئيسا لإيران قبل أيام، وكذلك رجب طيب أردوغان، والدولتان لديهما مشاكل عديدة مع بعض دول المنطقة، ورغم ذلك فإن حرص هذه الدول على المشاركة، هى ربما رسالة مهمة جدا تشير إلى رغبة الجميع فى تهدئة التوتر الذى يهيمن على المنطقة منذ سنوات.
مرة أخرى الكاسب الأكبر هو مصطفى الكاظمى الذى يسعى منذ توليه منصبه إلى إبعاد العراق عن محاولات الجيران تحويله إلى ساحة للصراعات وتصفية الحسابات.
ليس خافيا على أحد أن هناك بعض الأطراف الداخلية العراقية التى تساعد بعض المخططات الأجنبية، خصوصا لبعض دول الجوار وولاء هؤلاء للخارج أكثر من الداخل. نجاح هذا المؤتمر سيضعف من نفوذ هذه الميليشيات، لأنه سيرسل رسالة لمن يشغلهم بأن استمرار هذه السياسة، لم يعد مقبولا من غالبية دول المنطقة.
الدعم المصرى للعراق كان واضحا جدا، ليس فقط خلال القمة، ولكن قبل ذلك بأعوام حينما نشأت فكرة مؤسسة القمة الثلاثية بين مصر والأردن والعراق، وعقدت أكثر من اجتماع طوال السنوات الثلاث الماضية، آخرها فى بغداد قبل أسابيع، حينما زارها الرئيس السيسى كأول رئيس مصرى منذ أكثر من ٣٠ عاما.
السيسى خلال كلمته قال إن «العراق إحدى قلاع العروبة ومركز حضارى كبير، ولدينا مستوى غير مسبوق لعلاقات الشراكة ونقدر ما يفعله الكاظمى وكذلك ما حققه الجيش والأجهزة الأمنية من دحر الإرهاب والقضاء على مشروع داعش الظلامى والحفاظ على وحدة العراق، وأن مصر مستمرة فى دعم العراق الكامل لتحقيق الاستقرار واستعادة مكانته التاريخية، ونقف سندا لدعم جهود الحكومة العراقية لتقوية الدولة الوطنية، وتسعى أيضا لتعظيم التشابك بين مصالح شعوبنا، ونرفض جميع التدخلات الخارجية فى الشئون الداخلية للعراق».
السيسى قال إنه يوجه رسالة للشعب العراق خلاصتها: «الشعب الذى يملك هذه الحضارات، وهذا التاريخ يملك بلا شك مستقبلا واعدا، ولكم فى مصر إخوة حريصون على نهضتكم ومرحبون بنقل تجربتهم وخبراتهم فى مجالات مختلفة إيمانا بوحدة المصير، وأننا واثقون فى اجتياز الصعاب مهما كانت».
كلمات القادة وكبار المسئولين الحاضرين كانت فى مجملها داعمة للعراق وحكومته، فى سعيها لتحقيق الأمن والاستقرار ورفض منطق تصفية الحسابات على الأرض العراقية.
لكن السؤال الجوهرى الذى يفترض أن يسأله أى مراقب ومتابع لما يدور فى العراق والمنطقة عموما، إذا كان هذا هو الموقف الفعلى لدول الجوار الرافض للتدخل فى الشأن العراقى وتحويله ساحة لتصفية الحسابات، فمن الذى يعتدى على العراق، ومن الذى يتدخل فى شئونه، ومن الذى يعيق تقدمه، وما الذى دفع هذه الأطراف المتناقضة إلى الجلوس على مائدة واحدة؟!
أسئلة تستحق النقاش الهادئ والموضوعى لاحقا إن شاء الله.