بقلم: عماد الدين حسين
يندر أن يلتقى عربى وأوروبى هذه الأيام إلا وتكون المعايير الأوروبية الغربية المزدوجة حاضرة فى النقاش، خصوصا فى ظل الأزمة الأوكرانية والاندفاع الغربى الكبير تجاه نصرة أوكرانيا فى وجه الغزو الروسى.
فى الأسبوع الماضى قابلت فرانس تيمرمانز نائب الرئيس التنفيذى للاتحاد الأوروبى والمفوض الأوروبى للمناخ.
محور الحوار بطبيعة الحال كان عن جانبين الأول الصراع الروسى الغربى فى أوكرانيا وتأثيراته المحتملة على العالم، ولماذا لم يعامل الغرب إسرائيل كما عامل روسيا؟ والمحور الثانى عن المناخ والاستعدادات لعقد «كوب 27» فى شرم الشيخ فى أكتوبر المقبل.
الذى دفعنى لإثارة المعايير المزدوجة هو قول المسئول الأوروبى البارز خلال الحوار ــ الذى جرى بحصور زميلين صحفيين مصريين ــ إن المنطق الروسى فى أوكرانيا يشبه لصا سرق من شخص ألف يورو، وحينما أعاد مائة يورو، يريد من الضحية ومن العالم أن يشكروه على هذا السلوك الجيد!!!
قلت للسيد تيمرمانز إنه إذا صح المثال الذى استخدمتموه، فما هو قولكم فى لص سرق دولة كاملة على مرحلتين الأولى عام ١٩٤٨، والثانية عام ١٩٦٧، ويمارس البلطجة ليل نهار ليس فقط بحق فلسطين، ولكن بحق كل جيرانها العرب خصوصا سوريا ولبنان والأردن، ولم تتوقف بلطجته المباشرة والسافرة على مصر إلا بعد انتصارها فى حربها المجيدة عام ١٩٧٣؟
قلت لنائب رئيس الاتحاد الأوروبى أيضا إنكم أمددتم أوكرانيا بالأسلحة والمعدات ومختلف أنواع المساعدات لمواجهة الغزو الروسى حينما تعرضت للغزو، لكنه فاجأنى بقوله: صحيح ولماذا لم يفعل العرب نفس ما فعله الأوروبيون مع أوكرانيا؟ لماذا لم تمدوا أنتم فلسطين بالأسلحة والمساعدات؟!!!!
كلام المسئول الأوروبى له منطق قوى، رغم أنه لا ينفى المعايير المزدوجة، ورغم ذلك قلت له ولكنكم تمدون إسرائيل بالأسلحة والمعدات والمساعدات، وأنتم تعلمون أنها تحتل الأرض. وكل ما نطلبه منكم كغرب على الأقل، إذا لم تنصروا الحق الفلسطينى المدعوم بالشرعية الدولية، ألا تنصروا الظالم.
هو قال أيضا نحن نطلب من كل دول العالم أن ينصروا أوكرانيا ضد الغزو الروسى، ولا نريد لونا رماديا، بل إما أبيض وإما أسود. فقلت له ونحن أيضا نتمنى ذلك منكم منذ عقود طويلة بشأن الحقوق الفلسطينية، فرد مبتسما: كنت أتوقع منك هذا التعليق!!!
فى تقدير السفير فإن ما فعلته روسيا بغزوها لأوكرانيا شديد الخطورة، وبالتالى فهى ليس لديها خطط بالنسبة للمستقبل.
وهى التى خلقت المشكلة لنفسها بهذا الغزو، وبالتالى عليها أن تتحمل النتائج، ونخشى أن تكون لديها خطط أخرى بعد أوكرانيا.
وعودتها للاندماج مرة أخرى يتوقف على ماذا ستفعل فى المستقبل القريب، وأن تتوقف طريقة بوتين التى تعتقد أن استقرار بلاده يعتمد على عدم استقرار أوروبا.
وحينما سألته عن مدى قانونية وشرعية مصادرة ممتلكات وأصول رجال الأعمال الروس، قال إنها ممتلكات ليست خاصة بهم فقط، بل بالدولة الروسية، لأنه يندر وجود رجل أعمال روسى بنى ثروته من دون دعم حكومته وتوجيهاتها.
المسئول الأوروبى البارز دبلوماسى كبير من هولندا، ومنصبه كمفوض لملف المناخ فى الاتحاد شديد الأهمية هذه الأيام التى صارت فيها قضية المناخ تحتل أهمية كبيرة. وهى تهمنا نحن أيضا فى مصر بحكم أننا سوف نستضيف قمة الأمم المتحدة الخاصة للمناخ «كوب ٢٧» فى أكتوبر المقبل بشرم الشيخ.
فى هذا الملف تحدث تيمرمانز بصورة شديدة الإيجابية عن مصر ودورها.
تيمرمانز أشاد بتجربة مصر فى إنتاج الكهرباء، وتحدث عن الشركات والاستثمارات المشتركة فى هذا المجال، وهو يعتقد أن موقع مصر المتميز بطلتها على البحرين الأحمر والمتوسط، وشمسها الساطعة طوال العام، تجعلها مكانا متميزا للاقتصاد الأخضر، وهو يتصور أن هناك إمكانيات كثيرة للتعاون بين الجانبين فى مجال إنتاج الطاقة النظيفة خصوصا الشمسية.
جزء من محادثات هذا المسئول الأوروبى وغيره من المسئولين الأوروبيين فى العالم هذه الأيام هى محاولة تأمين أكبر قدر من إمدادات الطاقة خصوصا الغاز بديلا للغاز الروسى، الذى يمد أوروبا بنحو ٤٠٪ من احتياجاتها خصوصا ألمانيا، ورأينا بالفعل محادثات أوروبية مع كل من قطر والجزائر إضافة لدول أخرى من أجل تأمين هذه الإمدادات.
انتهى الحوار، لكن من الواضح أن أزمات العالم لن تنتهى قريبا.