بقلم: عماد الدين حسين
قبل عامين وشهرين تقريبا دعا الدكتور محمد معيط وزير المالية مجموعة من رؤساء التحرير لعرض مؤشرات وملامح الميزانية الجديدة ٢٠٢٠ ــ ٢٠٢١، لكن مجمل النقاش فى هذه الجلسة التى تشرفت بحضورها، تحول إلى الحديث عن تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد المصرى.
ويوم الإثنين الماضى كان نفس المشهد يتكرر فى وزارة المالية مع اختلاف طفيف فى بعض أسماء الحاضرين. الدكتور معيط دعانا ليعرض علينا مؤشرات الموازنة الجديدة ٢٠٢٢ ــ ٢٠٢٣، لكن غالبية الكلام والنقاش والأسئلة تمحور حول تأثيرات الصراع الروسى الغربى فى أوكرانيا ليس فقط على الموازنة المقبلة، ولكن على مجمل الاقتصاد المصرى، وكيف سيؤثر على المواطنين، والأهم كيف نتجاوز جميعا تداعيات وتأثيرات الأزمة؟
الموازنة العامة للدولة يتم بدء إعدادها مبكرا جدا، وفى الموازنة الحالية فقد تم إعدادها مبدئيا فى أوائل ديسمبر الماضى، وعرضتها الوزارة على الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يناير الماضى، ثم جاءت الأزمة الأوكرانية لتربك العديد من بنودها ومؤشراتها.
الموازنة عبارة عن إيرادات ومصروفات. كل وزارة أو هيئة أو مصلحة أو مؤسسة حكومية تذهب إلى وزارة التخطيط وتطلب منها أن تضع لها موازنة، طبقا لاحتياجاتها وطلباتها. وبالطبع تكون هذه الطلبات شديدة الطموح، وزارة التخطيط تتسلم هذه الطلبات أو الطموحات وتقوم بتنسيقها وتنظيمها وجعلها موضوعية طبقا للظروف العامة، ثم تذهب بها إلى وزارة المالية.
تتجمع كل الطلبات والاحتياجات والطموحات أمام وزارة المالية، ولنفترض مثلا أن إجمالى المطلوب لها من اعتمادات مالية هو تريليون جنيه، لكن المتاح من إيرادات فى خزينة وزارة المالية لا يزيد على ٢٠٠ مليار جنيه، هنا يحدث النقاش والجدل، حتى يمكن توزيع ما هو متاح بالفعل طبقا للأولويات خصوصا العاجل منها. وحتى بعد وضع المؤشرات الأولية أو حتى النهائية للموازنة، يأتى حدث معين لينسف ويلخبط كل ذلك، كما حدث مع فيروس كورونا قبل عامين وكما يحدث الآن مع الأزمة الأوكرانية.
فى هذه الحالة يتم فتح اعتمادات إضافية للموازنة بشرط أن يوافق عليها البرلمان وهذه الاعتمادات تقود بصورة آلية إلى العجز فى الموازنة.
على سبيل المثال فإن بند شراء القمح سوف يكلف الموازنة العامة للدولة مبالغ إضافية تتراوح بين ١٢ ــ ١٥ مليار جنيه حتى ٣٠ يونيو المقبل، وهو الموعد الذى تنتهى فيه ميزانية ٢٠٢١ ــ ٢٠٢٢. وعلينا مثلا أن نتخيل حجم المبلغ المطلوب لشراء القمح والحبوب والزيوت والبترول فى الموازنة المقبلة إذا استمرت الأزمة وطالت وتعقدت.
حينما كانت وزارة المالية تقوم بإعداد الموازنة فى ديسمبر الماضى، كانت الآمال عريضة والطموحات عالية، لأن التوقعات وقتها كانت تقول إن فيروس كورونا يتراجع، ومشكلة بطء سلاسل الإمدادات سوف تهدأ، وأسعار البترول ستتراجع وتعود لمعدلاتها الطبيعية خصوصا فى ظل قرب الاتفاق النووى بين إيران والغرب. ولذلك جرى البدء فى إعداد الموازنة طبقا لهذه التوقعات، ثم جاءت الأزمة الأوكرانية ودخول القوات الروسية لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير الماضى ليعصف ليس فقط بالتوقعات المصرية بشأن الموازنة، ولكن بكل التوقعات العالمية فى سائر المجالات، فحتى صندوق النقد الدولى أقر بأن هذه الأزمة ستؤدى إلى «لخبطة ودربكة» الاقتصاد العالمى، فحينما يقفز سعر برميل البترول إلى ١٤٠ دولارا والغاز لمعدلات غير مسبوقة، وغالبية السلع الرئيسية وأسعار النقل والشحن تسجل ارتفاعات قياسية، وأسعار الفائدة تتحرك لأعلى ويصبح الجميع خصوصا المستثمرين فى حالة قلق وعدم يقين، فإن كل ذلك يقول إن العالم بأكمله، وليس مصر فقط، سوف يتأثر وسيكون هناك ثمن لابد من دفعه شئنا أم أبينا.
فى شهر ديسمبر الماضى كانت وزارة المالية واثقة أن معدل الديون سوف ينخفض فى الموازنة الجديدة إلى أقل من ٩١٫٦٪ من الناتج المحلى الإجمالى ومعدل النمو سيقفز إلى ما فوق ٦٪، ومعدل العجز فى الموازنة سيكون أقل من ٦٫٧٪.
لكن هل نتمكن من تحقيق ذلك فى ظل الأزمة الراهنة.
سؤال سوف تجيب عنه عوامل كثيرة أهمها: إلى متى سوف تستمر الأزمة وتداعياتها لكن المؤكد فى كل الأحوال أن عالم ما قبل الأزمة الأوكرانية لن يعود كما كان.
السؤال: ما هى رؤية وزارة المالية والدكتور معيط والحكومة للموازنة الجديدة، وكيف يمكن لنا جميعا حكومة وشعبا أن نمر من هذه الازمة بسلام، أو لنكن واقعيين بأقل الاضرار؟
إن شاء الله سوف أعود للإجابة عن هذا السؤال لاحقا.