بقلم: عماد الدين حسين
إذا استمرت الظروف الاقتصادية والسياسية العالمية كما هى الآن، فأغلب الظن أن دولا كثيرة سوف تشهد موجات تضخمية متنوعة، تقود إلى رفع الأسعار، وبالتالى فمن المتوقع أن تشهد بعض هذه البلدان قلاقل اجتماعية، قد تتطور إلى اضطرابات أمنية.
أصبحنا نعلم أسباب ذلك وتتلخص فى تداعيات فيروس كورونا على اقتصادات غالبية البلدان، مما أدى إلى توقف أو بطء سلاسل الإمدادات خصوصا من الصين وجنوب شرق آسيا، والحرب الباردة وبالذات فى شقها الاقتصادى بين الصين وأمريكا، وتأثيرات التغيرات المناخية، وأخيرا ارتفاع أسعار البترول والغاز والنتيجة النهائية هى ارتفاع أسعار العديد من أسعار السلع الرئيسية بسبب التضخم ونقص الإنتاج فى العديد من الدول النامية، والمتوقع أن يؤدى ارتفاع أسعار السلع المستوردة إلى شح الدولار، وبالتالى يرتفع سعره مقابل العملات المحلية، وإذا وضعنا هذا العامل بجانب العوامل السابقة، خصوصا زيادة أسعار البترول، فالنتيجة الحتمية هى زيادة الأسعار عموما، وبالتالى مزيد من الضغوط على الجميع خصوصا الطبقات الفقيرة والوسطى.
هذه الخلطة المتفجرة أدت إلى قلاقل اجتماعية وسياسية وأمنية فى العديد من البلدان، وقد تتكرر فى بلدان أخرى كثيرة.
بالمناسبة هذا العامل المهم هو الذى أدى إلى القلاقل الاجتماعية والسياسية والأمنية فى العديد من بلدان المنطقة قبل عامين وحتى قبل ظهور كورونا، مثل إيران والعراق ولبنان والسودان والجزائر وأخيرا تونس.
لم يكن بالطبع هو العامل الوحيد، كانت هناك عوامل سياسية واجتماعية أخرى، لكن حينما قفز سعر الدولار فى لبنان من 1500 ليرة إلى 24 ألفا، فقد كان عاملا حاسما فى الأزمة اللبنانية الراهنة والمستمرة منذ أكثر من عامين.
نفس الأمر، حينما وقف الأشقاء فى السودان فى طوابير طويلة للحصول على الوقود لسياراتهم أو الخبز لبيوتهم، فقد قاد ذلك إلى إسقاط حكم البشير، وهو الأمر الذى ما يزال يلقى بظلاله على المشهد السياسى السودانى حتى هذه اللحظة، إضافة لعوامل أخرى كثيرة متداخلة.
الآن لم يعد الأمر مقصورا على نماذج السودان ولبنان وإيران، بل وصلت الأزمة إلى اقتصادات دول كانت توصف بالقوية، بل ضمن مجموعة العشرين، وبالذات فى الاقتصادات الناشئة أو الصاعدة، كما حدث مع تركيا التى فقدت عملتها 40٪ من قيمتها خلال شهور قليلة، وبعد أن كان الدولار يساوى 4 ليرات، قفز قبل أسابيع إلى 18 ليرة، ونفس الأمر تكرر بصورة مختلفة مع جنوب إفريقيا.
بل وصلت الأزمة إلى بعض الاقتصادات الخليجية التى ظل الجميع يصفها بأنها دول الوفرة والفوائض المالية. هذه البلدان ولأسباب مختلفة منها الصراعات السياسية والعسكرية، اضطرت إلى فرض جمارك وضرائب متنوعة بما فيها القيمة المضافة، مما أدى لارتفاع أسعار السلع وتكاليف الحياة عموما.
وخلال عام 2021، أدى نقص إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا إلى ارتفاع أسعار الغاز فى بعض دول القارة بنسب مختلفة وصلت إلى 150٪، قبل أن تتراجع الزيادة نسبيا فى الشهور الأخيرة.
وتضاعفت الأسعار لأكثر من خمسة أمثال السعر القياسى منذ يناير من العام الماضى، مما أدى إلى ضغوط على المستهلكين والشركات وتهديد للانتعاش الاقتصادى، والسبب الأساسى هو تداعيات كورونا ودخول الشتاء وعدم اليقين بشأن خط الغاز الروسى إلى أوروبا.
وبالتالى لم تعد الأزمة مقصورة على بلد دون أخرى أو قارة دون أخرى أو دول غنية وأخرى فقيرة، لكن مرة أخرى فإن ذلك كان مختلفا بين دول وأخرى حسب قوة الاقتصاد والنمو والتقدم ودرجة الرشادة السياسية فى الحكم، لكن القاعدة العامة أن الأزمة الحالية ضربت الجميع تقريبا من دون استثناء، فى صورة تراجع كل من الاستثمارات والإنتاج والتصدير وقلة المعروض من العملة الصعبة، وبالتالى فإن البلدان الأكثر تضررا اضطرت إلى فرض المزيد من الأعباء على مواطنيها، حتى تتمكن من تجاوز الأزمة، وهكذا رأينا ارتفاعات فى أسعار السلع، وفرض رسوم بأشكال مختلفة.
والسؤال الطبيعى الذى يفترض أن نسأله هو: وأين نحن من كل ذلك فى مصر، وهل تأثرنا، وما هى درجة هذا التأثر، وكيف يمكننا أن نقلل من الآثار السلبية التى ضربت العالم أجمع تقريبا؟!
سؤال يستحق المناقشة.