بقلم: عماد الدين حسين
مصر ألغت حالة الطوارئ قبل شهور بعد أن استقرت الأحوال الأمنية، وعادت للدولة قوتها وهيبتها، لكن هناك احتمال أن تشهد المرحلة المقبلة حالة من انفلات الأسعار بفعل الأزمات العالمية العديدة، فهل يمكن أن نعلن ما يشبه حالة الطوارئ الاقتصادية لحماية المواطنين من جشع بعض تجار الحروب والأزمات فى هذه الفترة الصعبة.
ليس خافيا على كثيرين أن تداعيات الأزمة الأوكرانية أسوأ بكثير من تداعيات أزمة كورونا، على العديد من الدول، والذى سيدفع الثمن الأكبر لهذه الأزمة من الدول حتى الآن هم أولئك الذين يستوردون معظم غذائهم ومياههم ووقودهم ومعداتهم ودوائهم وسلاحهم من الخارج، مثلنا فى مصر خصوصا إذا طالت هذه الأزمة وتوسعت.
ولأن الأزمة مرشحة للاستمرار، فمن المفترض أن يكون هناك استعداد مختلف للتعامل معها.
الحكومة طمأنت المواطنين أكثر من مرة وقالت إن لديها مخزونا كافيا من السلع الاستراتيجية المختلفة، خصوصا القمح حتى نهاية هذا العام. وكل وزارة خصوصا التموين أكدت جاهزيتها خصوصا مع اقتراب شهر رمضان الكريم.
لكن بجانب كل ذلك أتمنى أن يكون لدينا طوارئ اقتصادية وأعنى بها أنه إضافة إلى توفير السلع الأساسية وإتاحتها أن تنشط أجهزة الأمن المختلفة لتطبيق أشد العقوبات على كل تاجر تسول له نفسه استغلال هذه الأزمة لتحقيق أرباح خيالية على حساب المستهلكين.
فى سوق بها أكثر من ١٠٠ مليون نسمة، لا يمكن الرهان كثيرا على الدعوات التى تعتمد على أخلاق وضمائر التجار ودعوتهم إلى مراعاة ظروف الناس الغلابة والمساكين.
فى مثل هذه الأسواق الكبيرة فإن الأساس الذى تقوم عليه الأمور هو القانون، وحينما تكون هناك ظروف غير طبيعية مثل تداعيات كورونا أو أوكرانيا فإن سيف القانون البتار هو الذى يفترض أن يهذب أخلاق التجار المنفلتين أو الجشعين.
لا يعقل أيضا فى كل أزمة أن نطالب الناس بعدم الشراء ومقاطعة التجار الجشعين حتى «يتوبوا ويراعوا ضمائرهم». هناك سلع لا يمكن تطبيق هذه القاعدة عليها، مثلا ماذا لو اتفق غالبية منتجى الخبز غير المدعم على رفع سعره بصورة جنونية؟ هل نقول للناس لا تأكلوا الخبز، علما بأنه غذاؤهم الرئيسى فى الوجبات الثلاثة تقريبا؟!
إضافة إلى مطالبة الناس بمقاطعة سلعة معينة، يجب أن يكون لدى الحكومة ذراع اقتصادية مثلما فعلت فى اللحوم والخضراوات والفاكهة، لكن حينما لا يتوازن العرض والطلب، فيجب عليها أن تطبق القانون بأقصى درجة شدة وقسوة ممكنة.
سيقول البعض، ولكن قواعد السوق تقوم بالأساس على التوازن بين العرض والطلب، وأن التدخل الحكومى والأمنى لن يحل المشكلة، بل سيزيد الطين بلة.
هذا كلام صحيح جدا فى الأوقات العادية، وليس فى أزمنة الأزمات الكبرى حيث نرى دولا عتيدة فى الرأسمالية وتقديس قواعد السوق، تقوم مثلا بتغيير خطوط إنتاج مصانع قطاع خاص للمصلحة القومية، كما حدث مثلا فى بدايات انتشار كورونا لإنتاج الكمامات والكحول الإيثيلى، وكما حدث فى تخصيص كميات محددة من السلع لكل أسرة حينما يختل التوازن بين العرض والطلب.
للأسف الشديد لدينا عدد كبير من التجار متخصصون فى استغلال الأزمات، وأتمنى أن يكون تركيز أجهزة الرقابة على «الهوامير والحيتان الكبار» وليس فقط على «البساريا الصغيرة»!!.
فى بداية تجربة النمو الصينية أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضى، كان يتم إعدام التجار الجشعين فى الميادين العامة حتى يكونوا عبرة لغيرهم. لا نريد الإعدام للناس، لكن على الأقل نريد أى طريقة تجعلهم يكفون أذاهم عن الناس.
وهناك سؤال حيوى جدا فى هذا الموضوع وهو: هل لدينا فعلا من يستطيع مراقبة ومعاقبة التجار الجشعين، أم أن بعض هؤلاء المراقبين يحتاجون من يراقبهم؟!.
سأعود إلى هذا السؤال لاحقا إن شاء الله.