بقلم: عماد الدين حسين
حينما تحدث أبناء الشهداء خلال الاحتفال بعيد الشرطة، رأيت الدموع تنهمر من عيون غالبية الحاضرين للحفل فى قاعة الاجتماعات الرئيسية بأكاديمية الشرطة ظهر يوم الأحد الماضى.
فى كل مرة أحضر احتفالا مثل هذا، ويكون حاضرا فيه أهالى الشهداء سواء كانوا الأولاد والبنات أو الزوجات أو الآباء لا أستطيع منع دموعى.
لكن المشهد يوم الأحد الماضى كان مختلفا إلى حد ما، وتم توظيفه بصورة فنية ودرامية رائعة جعلته يؤثر فى كل الحاضرين.
فى هذه الفقرة الرائعة كانت مقدمتها المطربة مى فاروق تسأل أولاد وبنات الشهداء ومعظمهم أعمارهم تتراوح بين خمس وعشر سنوات أسئلة بسيطة جدا، لكنها شديدة التأثير والعاطفية.
أحد هذه الأسئلة كان: ماذا كنتم ستقولون لآبائكم الشهداء إذا كانوا موجودين معكم الآن؟.
إجابات الأولاد كانت شديدة التلقائية. معظمهم أجاب بأنه كان سيقول لأبيه «وحشتنى»، والبعض أجاب بأنه سيقول له أحبك، وثالث قال إنه سيقول له: أنا واثق أنك فى مكان كويس مع ربنا».
حينما رأيت هذه النماذج الحية والحقيقية من أولاد الشهداء تخيلت حياتهم بعد أن فقدوا آباءهم وأقرب الناس إليهم. تخيلت كيف أنهم حرموا من حنان الأب وعطفه وكرمه ورعايته وحسه فى الدنيا، خصوصا بالنسبة للبنات.
فكرت فى كيف تقضى العديد من زوجات الشهداء بقية حياتهن من دون زواج متفرغة لرعاية الأبناء، حتى يكبروا، علما بأن غالبية الشهداء من صغار السن، ومعظمهم لم يتجاوز عمره الأربعين حين استشهد.
معظمنا يتعامل مع فكرة الشهادة باعتبارها فكرة مجردة وعادية وطبيعية، وأن أسرة الشهيد تكون سعيدة بما حدث.
طبعا غالبية الأسر تشعر بالفخر أن ابنها استشهد فى سبيل الوطن، لأنه أعلى وسام يمكن أن يتقلده إنسان، لكن من ناحية أخرى هناك حياة ومشاعر وصعوبات وهموم ووحدة، وافتقاد إنسانى لا يمكن تخيله.
فى إحدى الفقرات سمعت ضابطا شابا يحكى كيف استشهد زميله فى شمال سيناء بعد استلامه العمل بثلاثة أيام فقط، ثم كيف فقد هو ساقيه الاثنتين فى انفجار مدرعة بعدها بفترة. هو نموذج صامد وصابر جدا لأنه يحاول أن يتكيف مع حياته الجديدة وعدم الاستسلام للإصابة المزمنة بالدراسة والحصول على شهادات الماجستير والدورات المتخصصة فى التخطيط الاستراتيجى.
ما لفت نظرى قول هذا الضابط إنه «سيفعل ما فعله لو تكرر الحادث ألف مرة، لأن البلد دى تستاهل أكثر من كده بكثير». قال أيضا عبارة مهمة وهى أن والده كان أكبر داعم له بعد الحادث.
فى هذا اليوم شهدنا جانبا من بطولات شهداء الشرطة مثل المقدم محمد فوزى الحوفى بالأمن الوطنى الذى استشهد برصاص الإرهابيين فى الأميرية فى أبريل ٢٠٢٠ وساهم فى قتل سبعة من عناصرهم. وسمعنا أيضا أولاد المقدم محمد مبروك واستمعنا لزوجته وكيف كان حنونا على بنتيه خديجة ومريم.، وسمعنا قصص العشرات من أولاد الشهداء.
فقدان الشهداء لا يعوضه شىء ولا يقدر بثمن، لكن دماءهم كانت أيضا سببا أساسيا فى أن هذا البلد صار آمنا ومستقرا وسط بحيرة من الفوضى والعنف والحروب والصراعات والتخلف فى غالبية بلدان المنطقة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى وخلال الاحتفال وجه تحية لأرواح الشهداء ووصفهم بأنهم: «شموع مضيئة اختارت الخلود فى السماء على البقاء فى الأرض، وإلى جانب أسرهم التى عانت وتحملت فراقهم من أجل الهدف الأعظم وهو بقاء مصر مرفوعة الرأس».
الرئيس قال أيضا إن «دحر الإرهاب كان هدفا كبيرا جدا، لكن تم دفع ثمن كبير جدا له وهو أرواح الشهداء، حتى نصل إلى هذه اللحظة». ثمن هذه الشهادة كما قال الرئيس هو بناء مصر القوية والجديدة. وهو ثمن لا يعوض لكنه ثمن لبلد فيها أكثر من ١٠٠ مليون شخص يعيشون فى أمان وسلام وتقدم».
كل التحية لأرواح الشهداء الذين ضحوا من أجلنا، وكل التقدير لأسرهم وأهاليهم وأحبائهم الذين تحملوا بصبر وجلد فراقهم.