بقلم : عماد الدين حسين
هل إنشاء سجون جديدة أمر سيئ، أم أن النقطة الجوهرية هى حصول السجناء على حقوقهم الطبيعية التى يكفلها القانون والقواعد والأعراف الدولية؟!
هذا السؤال خطر على ذهنى صباح الخميس الماضى وأنا أحضر افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل بمنطقة وادى النطرون على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى.
الإجابة عن سؤالى سمعتها من السيدة كريستينا ألبرت الممثل الإقليمى المعنى بالجريمة والمخدرات فى الأمم المتحدة، خلال كلمتها، حيث قالت إن السجون وأماكن الاحتجاز هى جزء لا يتجزأ من منظومة العدالة فى كل بلدان العالم، وأن المنظومات العقابية تلعب دورا مهما فى الحفاظ على الأمن والاستقرار شرط أن تدار بطريقة صحيحة، وأن الأمم المتحدة تدعم البلدان المختلفة لتحسين أوضاع السجون وتمتع السجناء بالحقوق المختلفة خصوصا الصحية وكذلك إعادة دمجهم فى المجتمع بعد إطلاق سراحهم.
هذه المسئولة زارت هذا المجمع قبل افتتاحه بأسابيع، وقدمت الشكر لوزارة الداخلية على جهدها فى إنشاء المركز، إذ إنه يتم إنشاء سجن فليست تلك هى المشكلة، لأن الجريمة سوف تستمر فى كل المجتمعات طالما هناك حياة. السجون موجودة فى كل بلدان العالم المتقدم والمتخلف وما بينهما، والفيصل هو السياسات والتشريعات والبيئة والمناخ التى يمكنها أن تقلل الجريمة أو تزيدها، ثم تطبيق القوانين واللوائح التى تكفل معاملة السجناء داخل السجن بصورة قانونية حتى يتم إطلاق سراحهم.
صباح الخميس زرت مجمعا أو مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون ضمن وفد إعلامى كبير شمل غالبية رؤساء تحرير الصحف والمواقع وكذلك كبار مقدمى البرامج بالقنوات الفضائية، إضافة إلى مراسلين لوسائل الإعلام العالمية ودبلوماسيين، وهو الافتتاح الذى حضره وزير الداخلية اللواء محمود توفيق وكبار قيادات وزارة الداخلية وبعض الوزراء والمسئولين.
خلال الافتتاح عرفنا أن قطاع السجون سوف يصبح اسمه رسميا قطاع الرعاية المجتمعية، كما قال اللواء طارق مرزوق مساعد الوزير لشئون هذا القطاع، الذى أضاف أن الفلسفة العقابية الجديدة تركز على عدم معاقبة النزيل مرتين، مرة بسبب جرمه، ومرة أخرى داخل مكان الاحتجاز، على حد تعبير الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل أيام.
اللواء مرزوق قال أيضا إن القطاع يهدف بالأساس إلى ترجمة استراتيجية حقوق الإنسان، التى أعلنها الرئيس السيسى مؤخرا وتحصين النزلاء من الانحراف مرة أخرى.
اللواء مرزوق كشف أنه خلال العام الحالى تم الإفراج عن حوالى ٣١ ألف سجين، وأن المركز الجديد الذى يشمل ستة مراكز فرعية للاحتجاز، سوف يستوعب المسجونين الموجودين فى ٢٥٪ من كل سجون مصر، وبالتالى فإنه ومع تشغيل هذا المركز فعليا فإن هذه السجون سوف يتم إغلاقها.
وأظن أن أراضى السجون الجديدة سوف يتم الاستفادة منها اقتصاديا لتمويل إنشاء السجون أو المراكز الجديدة، وبالتالى لن تتحمل الموازنة أى أعباء، خصوصا أن غالبية أراضى السجون القديمة يمكن تسويقها إلى أكثر من نشاط خصوصا العقارات بصورة كبيرة لأنها تقع فى مناطق حيوية وسط المدن مثل سجون طرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة وشبين الكوم ودمنهور والمنيا.
بعد انتهاء الكلمات الافتتاحية قمنا بجولة تفقدية فى المركز الجديد المبنى بصورة دائرية متكاملة على مساحة ٤٧٥ فدانا، بواقع ١٦٢ فدانا لمراكز التأهيل، و١٧٥ فدانا للزراعات والصوب، و١٢ فدانا للإنتاج الداجنى، ومثلها للإنتاج الحيوانى، إضافة لمبنى القيادة المركزية والمركز الطبى الذى تجولنا فيه ويحتوى على ٦١٩ سريرا وأحدث أنواع الأجهزة الطبية وأسرّة رعاية مركزة منفصلة، ويعتمد المركز بصورة كاملة على إنتاجه من الخضر والفواكه والخبز واللحوم بأنواعها المختلفة.
داخل المركز مناطق لاستقبال أهالى النزلاء وكافيتريات وساحة انتظار تستوعب ١٧٠٠ سيارة، ومنافذ لبيع منتجات المركز ومصنع للأثاث الخشبى وورش فنية مختلفة ومجمع للمحاكم، ومكتبة ومسجد وكنيسة، بحيث لن تكون هناك حاجة بالمرة لانتقال النزلاء من المركز للخارج.
بالطبع سوف يظل السجن سجنا مهما كانت المغريات داخله، لأن السجن يقيد حرية الإنسان، وتلك هى فلسفة العقاب.
وبالتالى فالسؤال مرة أخرى، ما الذى سوف يستفيده المواطن العادى أو المتهم أو النزيل من إنشاء مثل هذه السجون أو مراكز الاحتجاز، وكيف يمكن أن نصل إلى المعايير الدولية فى أماكن الاحتجاز؟
هذا هو السؤال المهم الذى سأحاول الإجابة عنه لاحقا إن شاء الله.