بقلم : عماد الدين حسين
لو أن كل وزارة قررت أن تتخذ نفس الإجراء الذى اتخذته وزارة التعليم الأسبوع الماضى بمنع التصوير، فلن تجد الصحافة والإعلام عملا، وسيكون هذا الإجراء حال تعميمه أفضل هدية يمكن تقديمها للمقصرين والمهملين والفاسدين.
وزارة التعليم قررت منع التصوير داخل كل مدارسها وهيئاتها وإداراتها إلا بإذن مسبق حفاظا على ما أسمته الحفاظ على هيبة المؤسسات التعليمية واحترام العاملين بها!
والسؤال هو: ما هى الرسالة التى ترسلها هذه الهيئات والوزارات والمؤسسات، حينما تمنع التصوير داخلها، وهل استأذنت الحكومة فى هذا الإجراء، أم أنه قرار فردى؟
قبل الإجابة على هذا السؤال نذكر أن الجميع تفهم صدور قرارات تمنع التصوير فى الأماكن والمنشآت العسكرية، لأن هدفه الحفاظ على الأمن القومى، والجميع أيضا يتفهم عدم نشر أى بيانات أو أرقام تخص عمليات مواجهة الإرهاب، لأنها ثغرة يمكن لوسائل إعلام معادية أن تنفذ منها لنشر الشائعات والمعلومات والبيانات المشوهة.
لكن ما هو الهدف من منع التصوير فى وزارتى التعليم والصحة وقبلها المحاكم، ومن الذين سنحميهم من وراء هذه القرارات؟
قولا واحدا كل العاملين والموظفين والقياديين العاملين فى هذه الوزارات والهيئات سيكونون سعداء جدا، حينما يتم فضح وتجريس ومعاقبة ومساءلة أى موظف مرتشٍ أو مقصر أو مهمل أو مجرم، ولن يكونوا سعداء بالمرة حينما يتم التغطية على مثل هذا المسئول الفاسد أو المهمل؟!
ما الذى يضير وزارة التعليم أن يكون هناك مدير مدرسة أهمل فى توفير مستلزمات العملية التعليمية، وما الذى يضير وزارة الصحة أن يكون هناك موظف أهمل فى عدم توفير أنابيب الأكسجين لأحد المستشفيات، وما الذى يضير وزارة العدل، تصوير وقائع محاكمة أى متهم طالما أن كل ذلك يتم فى إطار القانون؟
لا أظن أن وجود أخطاء فردية داخل أى وزارة يمكن أن يسىء إليها، بل الطبيعى أن العكس هو الصحيح، ونشر أى وقائع إهمال أو مخالفات أو حتى فساد فردية يبعث برسالة واضحة للرأى العام، بأن هذه الوزارات لا تتستر على أى خطأ.
حينما يتم التوسع فى منع التصوير أو نشر الأخبار داخل هذه الوزارات فإن هناك وسائل إعلام متعددة لا تخضع لأى سلطة مصرية داخلية سوف تتوسع فى نشر هذه الأخبار، بل ستكون هناك فرصة لوسائل الإعلام المعادية فى نشر الافتراءات والشائعات استغلالا لأن القانون يقيد نشر الأخبار والصور الخاصة بهذه الوزارات.
تعتقد بعض الهيئات والوزارات أن التكتم والصمت يعنى أن كل الأمور تمام، ولن يشعر أحد بوجود أخطاء أو تقصير، لكن هؤلاء ينسون أن وسائل التواصل الاجتماعى صارت قادرة على نشر أى شىء وفى أى وقت، وبالتالى فالأفضل أن يتم النشر عبر وسائل الإعلام الرسمية والمرخصة والقانونية سواء كانت حكومية أو خاصة، حتى لا تكون هناك فرصة أمام المتربصين لتشويه الأمور.
من سوء الحظ أن فلسفة عدم النشر إلا عبر البيانات الرسمية تتوسع أكثر وأكثر. ولا يعلم بعض المسئولين أن غالبية البيانات الرسمية جامدة وباردة، ولن تفيد أصحابها، خصوصا إذا كانت لا تعبر عن الواقع بدقة، وبالتالى فإن اعتقاد الوزارات بضرورة التوسع فى نشر البيانات الرسمية، وعدم نشر أى وجهة نظر أخرى مفيد لها هو اعتقاد خاطئ تماما، وسوف تدفع ثمنه هذه الوزارات إن آجلا أو عاجلا من سمعتها ومن عدم تصديق الناس لها.
حتى الآن لا أعرف لماذا اتخذت وزارات التعليم والصحة والعدل قرارات عدم التصوير طالما أن هناك قانونا يمكنه معاقبة أى وسيلة إعلام تنشر أخبارا كاذبة أو غير مدققة؟!
أتمنى أن تراجع الوزارات نفسها، وأتمنى أكثر أن تدرس الحكومة هذه الإجراءات لأنها وإن كانت تريح بعض الوزارات والمؤسسات من صداع الإعلام قليلا. فإن عواقبها شديدة الخطورة، أقلها أن القراء والرأى العام سوف ينصرف عن متابعة وسائل الإعلام الرسمية والتقليدية ولن يصدقها، وسيذهب إلى وسائل أخرى حتى لو كانت معادية أو متربصة.