بقلم : عماد الدين حسين
ليلة السبت الماضى غرقت شوارع لبنان فى عتمة شاملة وظلام دامس بسبب توقف محطات توليد الكهرباء عن العمل فى ظل أزمة المازوت التى تعانى منها البلاد.
نعرف أن لبنان يعانى من أزمة وقود شاملة منذ شهور، لكن الأمور وصلت إلى منحنى صعب وغير مسبوق فى الأيام الأخيرة.
التفاصيل تقول إن أكبر محطتين توقفتا عن العمل بسبب نقص الوقود وشبكة الكهرباء انفصلت بشكل كامل، بعد توقف معملى الزهرانى ودير عمار لعدم وجود المازوت.
وهذا هو الانهيار الثانى للشبكة الكهربائية فى لبنان خلال أسبوع.
وامس الاول نشب حريق هائل قرب في احد خزانات البنزين في منشات الزهراني جنوب البلاد امكن تطويقه لاحقا، ويبدو توقيته شديد الغرابة خاصة ان هذه المنطقة تعتبر من الخزانات الاساسية للوقود في لبنان ،وتقع بالقرب من معمل الزهراني لانتاج الكهرباء.
قد يتم حل المشكلة جزئيا مع وصول شحنات من مادة «الفيول أويل»، وقد تصل مساعدات من هذه الدولة أو تلك بصورة مؤقتة، وقد يبدأ تدفق الغاز المصرى إلى لبنان عبر الأردن وسوريا قريبا بعد توقيع عقوده مؤخرا، لكن من دون حل الأزمة السياسية أولا، فلن يتم حل الأزمة الاقتصادية.
لبنان يعيش واحدة من أسوأ أزماته، وهناك تقديرات دولية تقول إن الأزمة اللبنانية واحدة من أسوأ الأزمات العالمية منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.
الأوضاع صارت مأساوية لدرجة أن المؤسسة الرسمية صارت تؤمن الكهرباء لمدة ساعة فقط يوميا، ومخزون الوقود الذى تحتاج إليه المولدات نفد.
حكومة نجيب ميقانى تشكلت قبل أيام بعد تجاذبات سياسية استمرت ١٣ شهرا خصوصا منذ انفجار مرفأ بيروت فى أول أغسطس العام قبل الماضى.
ورغم أن هذا الحادث كان يفترض أن يجعل الطبقة السياسية تفيق من سباتها وغفلتها وأوهامها لكن يثبت يوميا بالدليل القاطع أن الأمل فى إصلاح هذه الطبقة السياسية يكاد يكون أقل من الصفر.
الاستقطاب السياسى أصاب البلاد بحالة من الشلل التام، ورغم أن عددا كبيرا من اللبنانيين من كل الفئات خرج للشارع احتجاجا على الأوضاع الصعبة قبل انتشار فيروس كورونا أوائل العام قبل الماضى، لكن هذه الطبقة السياسية المدربة جيدا على امتصاص الغضب الشعبى أفلتت من هذا الاختبار، ثم أفلتت مرة أخرى من دفع فاتورة الإجرام فى حق لبنان بعد تفجير المرفأ.
وأفلتت من الغضب الشعبى والدولى بعد هذه الكارثة. وأفلتت من عشرات الجرائم السابقة التى جعلت غالبية اللبنانيين يفكرون فى الهجرة الدائمة.
وبالمناسبة هذه الإدانة لا تنسحب على حزب أو طائفة أو جماعة واحدة، الجميع أجرم فى حق لبنان، لكن ربما مع اختلاف الدرجة، وليس هناك ملائكة وشياطين، فى هذه الأزمة. الضحية الوحيدة هى الشعب اللبنانى العادى المغلوب على أمره غير المرتبط بهذا الحزب أو تلك الجماعة أو الميليشية.
جريمة إظلام لبنان مساء السبت الماضى، يفترض أن تكون شهادة وفاة لهذه الطبقة السياسية، التى أعادت لبنان إلى عصور سحيقة، طبقا لتقديرات مؤسسات دولية عديدة. والمفترض أيضا أن تدفع الثمن، وإلا تفلت كالعادة من جرائمها كما حدث فى كل المرات السابقة.
القضية ليست الاتفاق مع صندوق النقد، أو من الذى يدير البنك المركزى أو من له الحصة المهيمنة على الحكومة. الموضوع أكبر من كل هذا، بعد أن تم إفقار الشعب بصورة غير مسبوقة، ولم يبقَ إلا مجموعة قليلة من الأباطرة، يرقصون رقصة الموت فوق تلال وربوع لبنان الذى كان المكان الأفضل عربيا حتى عقود مضت لكنهم إعادة للماضى السحيق.
ما يحدث فى لبنان الآن درس بليغ لكل الذين يعتقدون أن الشعارات الرنانة يمكن أن تحل أزمات الشعوب، وهى درس أبلغ بأن الانقسامات الدينية والطائفية والتمترس خلف الميليشيات لن يقود إلا للخراب إن آجلا أو عاجلا.