بقلم: عماد الدين حسين
من المتوقع وخلال مناقشة قانون العمل هذه الأيام فى مجلس الشيوخ، وبعدها فى مجلس النواب أن نسمع ونقرأ ونشاهد جدلا صاخبا بين من يريد أن يحصل العمال على كل شىء، وبين من يريد أن يحصل أصحاب الأعمال على كل شىء. لكن أهم ما نتمناه أن تعلو وترتفع المناقشات الموضوعية التى تسعى لتحقيق التوازن فى علاقة العمل بين العمال وأصحاب الأعمال، بما يفيد الطرفين، وبالتالى يفيد الاقتصاد الوطنى والمجتمع بأكمله.
من المتوقع أن نسمع أصواتا تتهم الحكومة بأنها تريد سلب كل الحقوق التى حصل عليها العمال فى العقود الماضية، وأنها تريد تسليمهم هدية إلى أصحاب الأعمال لكى يمصمصوا آخر ما تبقى من عظامهم، وأن هدف القانون الحقيقى هو أن تكون الكلمة العليا لأصحاب الأعمال لتسريح وفصل وتشريد العمال.
وفى المقابل سوف نسمع أصواتا مضادة تقول إن الحكومة الحالية ومثل سابقاتها تحاول استرضاء العمال وسائر الموظفين بكل الطرق الممكنة استمرارا للسياسات المتبعة منذ ثورة يوليو ١٩٥٢، وأن مختلف الحكومات والأنظمة منذ هذه الثورة يكنون كل مشاعر الحقد والغضب والتربض بالأغنياء عموما، خصوصا رجال الأعمال منهم.
إذا حدث ذلك وهو أمر متوقع بنسبة كبيرة فإننا سنكون بصدد تضييع فرصة أخرى مهمة لنقاش موضوعى بشأن هذه القضية شديدة الأهمية، مثلما أضعنا العديد من الفرص المماثلة فى العديد من القضايا المهمة المختلفة فى السنوات الماضية.
أن يبدأ كل طرف النقاش بمبدأ «أنا على صواب تام وغيرى جاهل وخائن وعميل»، فلن نصل إلى شىء، بل سنزيد الأمور تعقيدا، والخاسر وقتها سيكون الاقتصاد الوطنى والمجتمع بأكمله.
ليس عيبا أو حراما أن يتم تغيير أى قانون، فالقوانين ليست مقدسة، والدنيا تتغير وتتطور، لكن شرط أن يكون صدور هذا القانون محققا لمنفعة عامة تخص أكبر عدد من الناس، أو يزيل ظلما بينا واقعا على فئة أخرى، أو لتحقيق نتائج أفضل بسبب التطورات الجديدة فى الحياة عموما والاقتصاد خصوصا والعبرة دائما ليست بالنصوص فقط ولكن بتحقيق الاستقرار المجتمعى العام.
ويوما الأحد والاثنين الماضيان تابعت بتركيز شديد النقاشات التى جرت داخل مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق بشأن القانون، سواء الكلمات الاستهلالية أو عند مناقشة ثلاثين مادة من القانون البالغ عدد مواده ٢٦٧ إضافة لمواد الإصدار العشرة.
النقاش داخل مجلس الشيوخ كان متحضرا وموضوعيا وهادئا ورصينا فى معظمه، ليس فقط بسبب حسن الإدارة من رئيس المجلس، ولكن أيضا لوجود العديد من الأعضاء المتميزين، واستمعت لمناقشات عقلانية من بعضهم خصوصا محمود سامى الإمام ومحمد فريد وأكمل نجاتى وأحمد شعبان، وهؤلاء ومعهم آخرون يثرون النقاشات فى العديد من نقاشات المجلس، وأتوقع أن يكونوا نجوم العمل البرلمانى فى مقبل الأيام.
نحتاج بشدة إلى مثل هذه النقاشات الهادئة والهادفة والموضوعية التى تحقق أكبر مصلحة وفائدة ممكنة لكل الأطراف، وليس فقط لطرف على حساب طرف آخر.
لغة التخوين والصراخ والعويل وكيل الاتهامات وبث الشائعات والاغتيال المعنوى لم تعد تجدى وجربناها كثيرا وكانت نتيجتها كارثية، ولذلك نحتاج إلى أن تؤمن الحكومة بأن خير ما تقدمه هو النقاشات الحرة الموضوعية، وأن تستمع لكل الآراء والأفكار والرؤى، فليس هناك من يملك أو يحتكر الحقيقة. إذا تم ذلك فسوف نضمن صدور قانون عمل يحقق مصلحة الجميع، وليس طرفا واحدا فقط.