بقلم: عماد الدين حسين
ما هو حال الصحف القومية التى تشرف عليها الهيئة الوطنية للصحافة، والسؤال الأهم ما هو مستقبلها، وكيف يمكن أن تعود أكثر تأثيرا داخل وخارج مصر؟!
هذا السؤال كان محور نقاش مهم داخل لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام بمجلس الشيوخ التى يترأسها محمود مسلم مع المهندس عبدالصادق الشوربجى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة الأسبوع الماضى.
الشوربجى لديه قناعة تامة أن هناك محورين أساسيين مترابطين للنهوض بالإعلام المصرى، الأول اقتصادى ويتعلق بحل المشاكل الاقتصادية التى تحاصر معظم أو كل المؤسسات، والثانى يتعلق بتطوير المحتوى.
الأرقام تقول إن فى المؤسسات الصحفية حوالى ٤ آلاف صحفى و٩ آلاف إدارى و٧ آلاف عامل أى أن هناك ٢٫٥ إدارى لكل صحفى. حجم المصروفات السنوية لها ٣٫٤ مليار جنيه، منها ٢٫١٥ مليار جنيه مرتبات تتحمل الدولة منها ٦٦٠ مليون جنيه بنسبة ٣١٪ أو بنسبة ٢١٪ من إجمالى النفقات.
هذه المؤسسات، عليها ٧ مليارات جنيه ضرائب بالفوائد، وهى أيضا مدينة بحوالى ٣ مليارات جنيه لهيئة التأمينات، فى حين أن أصل الدين كان ١٫٩ مليار جنيه فقط. وتمكن الشوربجى من التوصل إلى اتفاق بتقسيط مديونية التأمينات على ٥٠ سنة، على أن تدفع المؤسسات ٤ ملايين جنيه شهرى.
معظم هذه المديونية متراكمة منذ سنوات طويلة مضت بعضها يعود لعام ١٩٨٠.
حصيلة الإعلانات تراجعت فى كل الصحف كما أن المؤسسات الصحفية كانت تعتمد إلى حد كبير على طبع كتب وزارة التعليم، لكن ولأسباب مختلفة فإن طبع الكتب بدأ يقل أو يتوقف بسبب المناهج الإلكترونية، وتلك مشكلة كبيرة لهذه الصحف.
بند بنزين السيارات فقط فى هذه المؤسسات كان يصل إلى مليون ونص المليون جنيه سنويا فى مؤسسة واحدة.
الآن بدأ كل ذلك يتوقف وهناك تقييم كل ثلاثة أشهر والنتيجة المبشرة هى أن الخسائر انخفضت بنسبة ١٠٪ هذا العام.
النشاط غير الصحفى للعديد من المؤسسات بدأ يلعب دورا كبيرا فى المساهمة فى إيراداتها مثل الجامعات. وإحدى المؤسسات تحصل على حوالى ٥٠٠ مليون جنيه من وراء جامعتها الخاصة. وهناك ندوات ومعارض لها رعاة تحقق دخلا معقولا.
المشاكل المتراكمة فى المؤسسات القومية كثيرة إحدى هذه المؤسسات حصلت على قرض بقيمة ٥٦ مليون جنيه لشراء مطبعة.
وبسبب عدم سداد أقساط الدين، ارتفع القرض إلى ٣٠٠ مليون جنيه، والمهندس الشوربجى تمكن من حل عملى لهذه المشكلة.
بعض المؤسسات الأخرى مدينة لبنك الاستثمار القومى ولم تكن تسدد.
وهناك محاولات لسداد أصول الدين والتفاوض بشأن فوائد هذه القروض.
والمؤسسات القومية ممنوعة الآن من الحصول على قروض حتى لا تزيد المديونية، ومطلوب من كل مؤسسة أن تبدأ فى عملية إعادة هيكلة شاملة لحل مشاكلها.
طبعا السبب فى تراكم مديونيات الضرائب والتأمينات وأحيانا الجمارك هو أن هذه المؤسسات الصحفية لم تكن تدفع قبل عام ٢٠١١ «والأمور كانت ماشية بالبركة والجدعنة».
الآن اختلف الوضع وصار مطلوبا من الجميع التقشف وبدء الهيكلة.
وبسبب هذا التقشف فإن الهيئة الوطنية للصحافة طلبت من الصحف وقف التعيينات تماما.
القرار مهم لإعادة الهيكلة لكنه فى نفس الوقت مدمر للمهنة على المدى الطويل.
وخلال اللقاء فى مجلس الشيوخ قلت للمهندس الشوربجى إننى أحيى دورك فى عملية الإصلاح الشامل للصحف القومية، وقرار وقف التعيينات الإدارية مهم جدا، لكن وقف تعيين الصحفيين سيؤدى إلى أن تشيخ هذه المؤسسات خلال سنوات قليلة، لأن كل عامليها سيكونون «جنرالات من دون جنود»، ولن تجد فى المستقبل دماء جديدة تقودها.
اقترحت على المهندس الشوربجى أن يكون هناك تعيين صحفى مقابل كل عشرة إداريين أو صحفيين سيتم إحالتهم للمعاش. وهو قال إنه أعطى لرؤساء التحرير حق التمديد للصحفيين وليس للإداريين إضافة لوجود صف ثان للقيادات.
الجانب الاقتصادى هو الضاغط لأن الدولة لن تستطيع أن تستمر طويلا فى الإنفاق على الصحف، وفى نفس الوقت فإن السؤال الأهم هو: كيف يمكن تطوير المحتوى ليكون جذابا ومقنعا للجماهير، علما بأن إحدى الصحف المسائية التى توقفت كانت توزع ٣٠٠ نسخة فى حين أن النسخ الإلكترونية يمكن أن يقرأها عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف.
الاقتصاد مهم لكن فى حالة الإعلام فالمحتوى هو الأساس ومن دونه تتحول هذه المؤسسات إلى مشروعات تجارية فقط.
الشوربجى يبذل جهدا كبيرا، لكن المشكلة عميقة وتحتاج لجهد الجميع، لكن من المهم الوعى بأنه لا يمكن بأى حال الرهان على حل المشكلة من دون توازى المسارين الاقتصادى مع المحتوى والأخير يتطلب توافر أكبر قدر من الحرية المسئولة.