بقلم: عماد الدين حسين
يوم الأحد الماضى قفز سعر برميل النفط من خام برنت القياسى العالمى ليلامس مستوى ١٤٠ دولارا، ليقترب من أعلى مستوى له على الإطلاق وهو ١٤٧٫٥ دولار والمسجل فى أغسطس من عام ٢٠٠٨ وطوال الأسبوع فإن السعر ظل فوق حاجز
الـ110 دولارات.
ما الذى تعنيه هذه القفزات المستمرة فى سعر النفط بفعل عوامل كثيرة أهمها الصراع الروسى الغربى بعد دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا ابتداء من يوم ٢٤ فبراير الماضى؟
هذا السعر الكبير جدا لأسعار البترول يعنى ببساطة أن خزائن بعض الدول والشركات والأفراد، سوف تمتلئ عن آخرها، وخزائن بعض الدول والشركات والمواطنين سوف تفرغ تماما.
وبعبارة أخرى فإن الدول المنتجة للنفط والغاز هى الكاسب الأكبر من هذه القفزات المتتالية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية المنتج الأكبر للنفط والغاز عالميا.
الخبر الأسوأ لمستوردى النفط والغاز وسائر أنواع الوقود هو وجود توقعات تقول بأن سعر برميل النفط قد يرتفع إلى أكثر من ١٨٥ دولارا خلال هذا العام، إذا استمرت الأزمة الأوكرانية، وإذا تعثر الوصول إلى اتفاق نووى جديد بين إيران وكل من الولايات المتحدة والغرب، فى المفاوضات الجارية حاليا فى فيينا.
هذه التوقعات على ذمة محللين فى «جيه. بى. مورجان» ونقلتها وكالة رويترز قبل ثلاثة أيام.
فى تقدير أمريتا سين الشريك المؤسس فى معهد أبحاث «إنرجى أسبكتس» فإن إيران كانت العامل الوحيد الداعم لنزول الأسعار، وإذا تأخر التوصل للاتفاق النووى، فالمحتمل أن يتم استهلاك المخزونات بسرعة أكبر، خصوصا إذا ظل النفط الروسى بعيدا عن الأسواق لفترة طويلة، علما أن روسيا تصدر ٧ ملايين برميل من النفط والمنتجات المكررة تعادل ٧٪ من الإمدادات العالمية إضافة إلى أن الصادرات من كازاخستان عبر الموانئ الروسية تواجه صعوبات. وحتى فى حالة التوصل لاتفاق بين طهران والغرب، فإن إيران تحتاج عدة أشهر قبل إمكانية استعادة التدفقات النفطية بالصورة الطبيعية. والملفت فى هذا الصدد هو أن موسكو نصحت طهران بأن تصر على الحصول على ضمانات أمريكية مكتوبة بألا تضر العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بالتعاون بين روسيا وإيران، كما أن الصين أثارت مطالب جديدة فى المحادثات من شأنها تعطيل التوصل لاتفاق.
فى اليوم التالى لهذا الصعود الجنونى للنفط، قفزت أسعار الغاز فى أوروبا بنسبة ٦٠٪ مسجلة رقما قياسيا تاريخيا حيث تجاوز كل ألف متر مكعب ٣٦٠٠ دولار فى بورصة لندن، كما سجّل سعر جالون الغاز فى أمريكا سعرا قياسيا.
ومما يعزز من المخاوف هو إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن وقف استيراد النفط والغاز من روسيا، ثم إعلان وزير خارجيته الأمريكى بلينكن بأن بلاده تناقش مع حلفائها فى الاتحاد الأوروبى بشكل جدى ومكثف إمكانية حظر واردات النفط الروسى، علما أن العقوبات الغربية استثنت حتى الآن قطاع الطاقة الروسى، من أجل الحفاظ على استقرار الأسواق العالمية والأوروبية، وردت موسكو بأن قرارا مثل هذا قد يرفع سعر البرميل إلى 300 دولار.
نعود للسؤال الذى بدأنا به وهو: كيف سيكون تأثير ذلك على العالم؟!
للأسف الشديد عدد كبير من بلدان العالم سوف يدفع ثمنا فادحا لهذا الصعود المتوالى فى سعر النفط، فى حين أن الدول المنتجة للنفط والغاز هى التى ستجنى مليارات الدولارات.
نتذكر أن الحكومة المصرية على سبيل المثال قد وضعت سعرا تقديريا لبرميل النفط فى موازنة ٢٠٢١ ــ ٢٠٢٢ هو ٦٨ دولارا. وهى قالت أكثر من مرة إن كل ارتفاع بمقدار دولار واحد فوق هذا السعر التقديرى يكلف الموازنة العامة للدولة نحو ٢.٣ مليار جنيه.
استمرار هذا الصعود القياسى يعنى اضطرار كل الدول المستوردة للنفط والغاز إلى رفع أسعار كل أو معظم أسعار الوقود، وبالتالى فإن الثمن سوف تتحمله الحكومات فى تأخير عمليات التنمية، ووقف أى مشروعات كبرى، ثم ثمن أكبر يتحمله المواطنون الذين سوف يدفعون الفاتورة النهائية لهذه الارتفاعات.
حينما يرتفع سعر الوقود فإن غالبية السلع سوف تشهد ارتفاعات مماثلة، علما أن سلعا كثيرة ارتفعت بالفعل فى أسواق العالم حتى قبل ارتفاع أسعار البترول بهذه الصورة. الفترة المقبلة شديدة الصعوبة على كل بلد يستورد نفطا أو حبوبا أو أية سلع أساسية.