بقلم: عماد الدين حسين
حينما قابلت السفير الألمانى الأسبوع الماضى، وخلال النقاش بشأن الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة سألنى السفير: لاحظت بعض التعاطف فى الشارع المصرى مع الرؤية الروسية بشأن الأزمة الأوكرانية، فما هو تفسيركم لهذا التعاطف؟!
قلت للسفير إننى لا أعرف مدى دقة هذا الاستنتاج بوجود تعاطف مع الموقف الروسى من الأزمة الأوكرانية.
وإذا كان هناك تعاطف، فإننى أعتقد أن سببه الأساسى هو المعايير المزدوجة الموجودة فى أوروبا والولايات المتحدة بشأن العديد من الملفات خصوصا الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، واستخدم ملف حقوق الإنسان والحريات كأسلحة ضد المنطقة إضافة إلى تزايد نشاط التيار اليمينى المتطرف ضد العرب والمسلمين فى فترات مختلفة.
السفير أوضح أن ألمانيا ومواطنيها يهتمون كثيرا بحقوق الإنسان. فهى بالنسبة لنا، ليست سلاحا، بل قيمة جوهرية. ونقيّم بشكل نقدى سجلنا فى مجال حقوق الإنسان. لكننا نتحدث أيضا بصراحة مع دول أخرى منها مصر حول هذا الأمر.
قلت للسفير إن بعض المواطنين العرب يقولون إن ما فعله الغرب خصوصا أوروبا لأوكرانيا فى بضعة أيام لم يفعلوه مع العرب والفلسطينيين طوال عقود كاملة خصوصا منذ ٥ يونيه ١٩٦٧.
وإذا كانت روسيا غزت أوكرانيا وهو أمر ضد القانون الدولى، فهناك دولة اسمها إسرائيل تحتل كامل فلسطين منذ عام ١٩٦٧، والجولان السورى، كما احتلت شبه جزيرة سيناء. ولم تخرج منها إلا بعد هزيمتها فى ١٩٧٣، وغزت لبنان عام ١٩٨٢، والآن هى تحاصر قطاع غزة وتنتهك حرمة المسجد الأقصى، وتهاجم سوريا ليل نهار.
كل هذه البلطجة الإسرائيلية لم تجد الإدانة الدولية الكافية، لكى تتوقف.
قلت للسفير الألمانى إنكم فرضتم أقسى وأقصى عقوبات عرفها التاريخ ضد روسيا، لكن بعض العرب يتساءلون ولماذا لم تطبقوا ولو واحد فى المائة فقط من هذه العقوبات على إسرائيل، وهى تسرق بلدا كاملة، ولماذا تستمر العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية معها، وكأنها دولة عادية فى حين أنها تضرب بالقانون الدولى عرض الحائط؟!
قلت للسفير كل ما سبق لا يعنى بأى صورة من الصور تأييد الغزو الروسى لأوكرانيا، لكن من حق الناس أن تتساءل وأين حقوق العرب والفلسطينيين؟!
السفير الألمانى استمع لكل كلامى بإنصات ثم قال إن بلاده تسعى بكل ما يمكنها من أجل البحث عن حل عادل وسلمى للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وإن بلاده ولظروف تاريخية معروفة منذ الحرب العالمية الثانية تقيم علاقات خاصة مع إسرائيل، ونؤيد أن نعيش بسلام مع جيرانها العرب، ونحن نؤيد دائما حل الدولتين.
وأن أول زيارة قامت بها وزيرة الخارجية الألمانى ــ خارج الأزمة الأوكرانية ــ كان لمنطقة الشرق الأوسط، حيث زارت مصر وإسرائيل والأردن، بناء على اقتراحه، وقد تم الاتفاق خلال الجولة على استئناف أعمال اللجنة الرباعية لإحياء المفاوضات.
السفير هارتمان، استعرض خلال حديثه التوتر الحادث فى الأرض الفلسطينية المحتلة، وضرورة وقف التصعيد حتى لا يتأزم الوضع أكثر. وهو يعتقد أن المجتمع الدولى بأكمله مطالب بحض الطرفين على حل الدولتين، وهو يقر أن مصر تعطى أولوية للقضية الفلسطينية.
وحينما سألت السفير ولماذا لا تضغط أوروبا على إسرائيل مثلما تضغط على روسيا بالعقوبات، كانت إجابته صريحة وصادمة: ولماذا لا تفعل ذلك الدول العربية، خصوصا أن هناك بعض الدول العربية تقيم علاقات مع إسرائيل؟!
هارتمان أكد أن ألمانيا لا تفرض أو تضغط على الدول الأخرى بشأن مدى قوة ردها على روسيا. لكن أكد أن «هذه الحرب فى جوارنا وتهدد استقرار العالم كله، على سبيل المثال بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية. لذلك، نرى ردود أفعالنا الخاصة فى إطار حقوقنا ونعتقد أن ذلك من مصلحة الدول الأخرى أيضا».
حينما انتهى كلام السفير قلت له إن عدم حل القضية الفلسطينية بصورة عادلة، يعطى المتطرفين من كل جانب الفرصة لاكتساب المصداقية.
إسرائيل حينما تسمح للمتطرفين اليهود بأن يكون صوتهم هو المسموع، وتسمح لهم بالممارسات التى نراها الآن فى المسجد الأقصى، فهى تشجع عمليا المتطرفين الذين يزعمون أنهم يتحدثون باسم الإسلام وبالتالى فإن إسرائيل بهذه السياسة هى أفضل داعم لداعش وأمثالها.
انتهى الحوار واعلم أن العالم تحكمه القوة والمصالح وليس المبادئ والقوانين، لكن أتمنى أن تكون الأزمة الأوكرانية فرصة سانحة لكى تقرأ أوروبا دروسها بعناية وتعيد النظر فى رؤيتها للقضية الفلسطينية وأن تطبّق المعايير على الجميع من دون تمييز.