بقلم : عماد الدين حسين
من المصادفات الملفتة للنظر أن يتوفى المشير محمد حسين طنطاوى، فى نفس اليوم الذى توفى فيه الزعيم الوطنى الكبير أحمد عرابى الذى رحل عن عالمنا فى يوم ٢١ سبتمبر ١٩١١ أى قبل حوالى ١١٠ أعوام بالضبط.
ومن المصادفات أيضا أن يرحل فى نفس يوم رحيله، الجندى أحمد إدريس ابن النوبة الذى اقترح على قيادة الجيش المصرى والرئيس أنور السادات، فكرة تشفير الاتصالات داخل الجيش المصرى باستخدام اللغة النوبية بوضع جندى نوبى على جهاز الإرسال والاستقبال فى كل وحدة عسكرية لوقف تصنت إسرائيل على الاتصالات بين الوحدات المصرية.
ما يجمع بين طنطاوى وعرابى أنهما خرجا من بيوت مصرية، لم يكونا من أبناء الباشاوات أو الجنود المرتزقة القادمين من الخارج مع الغزوات المتعددة، حتى لو كان عرابى حصل على رتبة الباشوية فيما بعد.
ولكن الأهم هو أن ما يجمع بينهما فى المضمون، أنهما تصرفا بنفس الطريقة تقريبا دفاعا عن مصر ومؤسستها العسكرية.
عرابى قاوم الغزو البريطانى لمصر عام ١٨٨٢، وتصدى لعجرفة وصلف الخديوى توفيق الذى رحل بالاحتلال. عرابى ذهب إلى قصر عابدين وواجه الخديوى، مطلقا قولته الشهيرة: «لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذى لا إله إلا هو، لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم».
طنطاوى أيضا، وحينما كان وزيرا للدفاع طوال عشرين عاما، فى عهد حسنى مبارك، كان من أشد المعارضين، لكل محاولات ربط مصر بالسياسات الأمريكية أو الإسرائيلية. ورفض بإصرار تغيير العقيدة العسكرية المصرية، التى ترى أن إسرائيل هى العدو الاستراتيجى لمصر والأمة العربية.
طنطاوى أيضا قاوم كل محاولات التدخل الأمريكية بعد ٢٠١١، لفرض أجندات محددة، خصوصا التدخل فى الشئون الداخلية لمصر تحت لافتات حقوق الإنسان.
ولذلك كان طنطاوى وخلال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وراء تقييد عمل العديد من المنظمات الحقوقية، التى كانت متهمة بالتعامل والتنسيق مع منظمات أمريكية وأوروبية.
فى ظنى أن هناك محطتين بارزتين فى حياة المشير طنطاوى وسط كل حياته الحافلة. المحطة الأولى هى قيادته للكتيبة ١٦ مشاة فى الفرقة 16 مشاة فى حرب أكتوبر، التى كان يقودها اللواء عبدرب النبى حافظ، والذى صار فيما بعد رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة. هذه الكتيبة والفرقة حققتا بطولات فريدة خلال ملحمة عبور قناة السويس، وبدء تحرير سيناء. كتيبة طنطاوى تمكنت فى يوم ١٢ أكتوبر من تأمين الجانب الأيمن للفرقة التى تعرضت لهجمات إسرائيلية متواصلة، وأحبطت عملية «الغزالة المطورة»، للجنرال أرئيل شارون فى منطقة مزرعة الجلاء المعروفة باسم المزرعة الصينية.
حافظ وفرقته خاض العديد من المعارك المهمة خصوصا فى الدفرسوار، ومعركة الدبابات الكبرى يومى 16 و17 أكتوبر، التى خسرت إسرائيل خلالها أكثر من 70 دبابة و300 قتيل وأكثر من 1000 جريح.
المحطة الثانية بطبيعة الحال، وربما الأهم فى حياة المشير طنطاوى، هى ترؤسه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فى واحدة من أصعب لحظات التاريخ المصرى الحديث.
وبمنطق «العبرة بالخواتيم» فإن أحداث السنوات العشر الأخيرة، ليس فى مصر فقط، ولكن فى كل المنطقة العربية، تقول بوضوح إن طنطاوى ومعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قد تصرفا بمنتهى الحكمة والمسئولية والشجاعة خلال أهم عامين من تاريخ مصر أى من ٢٠١١ ــ ٢٠١٣.
بعض الناس يتوقفون عند تفاصيل صغيرة ومعارك جزئية، وينسون أن التاريخ يحاسب على النتائج النهائية.
على سبيل المثال فلو أن طنطاوى ومعه المجلس الأعلى، تصرف بنفس الطريقة التى تصرف بها قادة سوريا وليبيا واليمن خلال فترة الربيع العربى، فربما كان ممكنا أن ندخل فيما يشبه الحرب الأهلية، ونتعوق لعشرات وربما مئات السنين.
نعم خسرنا وتأخرنا ودفعنا ثمنا كبيرا، لكنه لا يقارن إطلاقا بما حدث لغيرنا، والفضل فى ذلك يرجع لكثيرين فى مقدمتهم المشير حسين طنطاوى.
وإذا كانت صدفة لافتة أن يموت طنطاوى فى نفس يوم وفاة عرابى، فليس من الصدفة أبدا أن يتزامن يوم وفاته مع احتفال الدولة المصرية بافتتاح مشروعات تنموية متنوعة فى سيناء، أهمها نفق أحمد حمدى الشمالى وطرق ومستشفيات متعددة.
طنطاوى حارب فى سيناء ضد الغزاة الصهاينة، والدولة المصرية تواصل الآن الحرب، ولكن بصورة أخرى وهى تنمية سيناء وتعميرها وزيادة ربطها بالوادى والدلتا، حتى تحبط أى محاولات غزو لاحقة.
رحم الله المشير طنطاوى وأسكنه فسيح جناته.