بقلم : عماد الدين حسين
القرار الذى أصدرته وزارة التربية والتعليم يوم الثلاثاء الماضى ١٢ أكتوبر، بمنع التصوير داخل المدارس، خاطئ تماما، وضرره أكثر من نفعه، ويسىء للتعليم وللوزارة والحكومة والنظام بأكمله، ولا يساهم فى تطوير التعليم الذى ننشده بل يفاقمه للأسوأ.
نص القرار يقول: «منع التصوير داخل المنشآت التعليمية، المدارس والإدارات والمديريات والهيئات والمراكز، إلا بعد التنسيق المسبق مع المستشار الإعلامى للوزارة، أو مدير المديرية أو الهيئة، أو المركز للحفاظ على هيبة المؤسسات التعليمية، واحترام العاملين بها، كما يحظر الإدلاء بأية تصريحات لوسائل الإعلام، بشأن السياسات العامة للوزارة دون الرجوع إلى الوزارة، ويقتصر التصريح للإعلام على مديرى المديريات والهيئات والمراكز التابعة، فى حدود الاختصاص دون تجاوز ذلك إلى اختصاصات الغير».
انتهى النص ومن الواضح أن سبب صدور هذا القرار الغريب هو الصورة التى تم التقاطها ونشرها لأحد تلاميذ مدرسة الخانكة الابتدائية بالقليوبية وهم جالسون على الأرض فى اليوم الأول للدراسة. مما كشف أن تصريحات المسئولين فى المحافظة عن اكتمال التجهيزات والاستعدادات للعام الجديد كانت مجرد كلام فى الهواء.
الصورة تم تداولها بكثيرة على مواقع التواصل الاجتماعى، والدكتور ياسر محمود وكيل وزارة التعليم بالمحافظة أحال مديرة المدرسة للتحقيق ونقلها إلى مدرسة أخرى، وخصم ٥ أيام من راتبها، بعد أن أثبتت التحقيقات إهمالها فى إكمال التجهيزات وعدم مراعاة الإجراءات الوقائية والاحترازية والتباعد الاجتماعى. كما تم توفير مقاعد للفصل بعد الحادثة بيوم واحد فقط.
ظنى أن الوزارة تصرفت بصورة صحيحة مع الواقعة، حيث حققت فيها وأصلحت الأمر، واعتذر الدكتور ياسر محمود للناس.
إلى هنا فإن ما فعلته الوزارة كان جيدا، لكن ما حدث بعد ذلك كان هو السير فى سلسلة متتالية من الأخطاء التى وصلت حد الخطيئة.
د. ياسر محمود وكما نقلت عنه «المصرى اليوم» برر الواقعة بأن المديرة قالت إن عدد التلاميذ، كان أكثر من المتوقع وفوق الكثافة ولذلك قررت المديرة استيعاب العدد الزائد فى فصل تحت الصيانة، من دون مقاعد.
وهذا كلام غريب جدا، لأنه لا يعقل أن تتفاجأ المدرسة ومسئولوها بعدد التلاميذ صبيحة يوم بدء الدراسة، لأن ذلك يفترض أن يكون معروفا لهم قبل الدراسة بأيام وربما أسابيع، والمفترض أن التجهيزات تكون قد تمت قبل فترة كافية من بدء الدراسة.
ظنى أن المشكلة موجودة بسبب الإهمال وضعف أو غياب الموارد، وما حدث كان خطأ من المديرة، ولو أن الوزارة اكتفت بما حدث أى التحقيق ومعاقبة المديرة بالخصم والنقل لكان الموضوع قد انتهى.
لأن خطأ مدير أو مديرة أو حتى مديرية كاملة لا يعيب وزارة التعليم، خصوصا أن الدكتور طارق شوقى يقر بأن الوزارة تعانى عجزا فى عدد الفصول يصل لأكثر من ٢٥٠ ألف فصل بتكلفة ١٢٥ مليار جنيه وتحتاج أيضا لأكثر من 260 ألف معلم فى مختلف التخصصات، بتكلفة ٩ مليارات جنيه.
قرار منع التصوير خطأ فادح، وتبريره بأنه للحفاظ على هيبة المؤسسات التعليمية واحترام العاملين بها هو خطأ أفدح، لأن هيبة المؤسسات لا تكون بإخفاء الأخطاء والقصور.
هذه النوعية من المسئولين الذين يقصرون فى أداء عملهم يفترض ألا تكون لهم هيبة بل يتم معاقبتهم وإبعادهم عن العملية التعليمية.
هيبة العملية التعليمية ومؤسساتها تكون باحترام التلاميذ وتوفير أفضل الوسائل والإمكانيات، وكذلك الحفاظ على هيبة المعلمين وتوفير كل الظروف الملائمة لهم وأولها ان يكون عددهم كافيا ومرتباتهم معقولة.
لكن منع التصوير سيعنى ببساطة إعطاء حصانة لكل الموظفين والمسئولين من المساءلة والمحاسبة.
منع التصوير هو رسالة لكل موظف صغير أو مسئول فاسد أن يستمر فى تقصيره وإهماله، لأن فساده لن يتم كشفه أو فضحه، بل حمايته من المساءلة.
مرة أخرى ليس عيبا أن يكون هناك تقصير فى أى مؤسسة أو وزارة، طالما أن هناك عدم تستر على هذا التقصير، لكن العيب الكبير أن يتم شرعنة هذا التقصير وحمايته، ولا أظن أن وزارة التربية والتعليم تريد ذلك.
ثم إن هذا القرار يأتى بعد قرارات من وزارة الصحة بعدم التصوير فى المستشفيات، وقبلها عدم التصوير فى المحاكم
وهى قرارات تصب فى غير صالح المجتمع بل تقود إلى ما هو أسوأ، وهو أمر يحتاج إلى نقاش لاحق إن شاء الله.