بقلم : عماد الدين حسين
هناك اتهام رسمى من مصر والسودان لإثيوبيا، بأنها تعمدت عدم إمداد البلدين بالمعلومات الصحيحة بشأن سد النهضة، أو تقديم معلومات ناقصة ومضللة، وبعد فوات الأوان، مما كبد البلدين خسائر كبيرة.
قبل أيام قال الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى المصرى، فى تصريحات لقناة «العربية» أن الملء الأول للسد، دون إخطار مسبق تسبب فى جفاف وفيضان وتلوث، والسودان شهد أزمة جفاف وأزمة فى مياه الشرب بين سكان الخرطوم، وبعدها حدثت سيول، ولاحقا قامت إثيوبيا بفتح الأنفاق السفلية لتخرج الترسيبات وتعكر مياه سد الروصيرص مما أدى إلى التلوث.
إثيوبيا أيضا قدمت لمصر معلومات مضللة بخصوص الملء الثانى، حيث أبلغت القاهرة بأنهم سوف يقومون بملء ١٣٫٥ مليار متر مكعب، وعلى هذا الأساس قامت مصر والسودان بالاستعداد لذلك، لكن وفى وقت لاحق لم يملئوا إلى ٣٫٥ مليار متر.
نفس ما قاله الوزير المصرى أكده وزير الرى السودانى ياسر عباس قبل أيام قليلة، حينما كتب على حسابه على تويتر يقول إن عدم تقديم اثيوبيا للمعلومات الصحيحة والكافية، وفى الوقت المحدد أجبر السودان على اتخاذ إجراءات احتياطية مكلفة ذات أثر دائم.
وهناك تقارير سودانية كثيرة ترصد الخسائر الناتجة عن السلوك الإثيوبى أهمها سقوط القتلى والجرحى وتشرد الآلاف نتيجة الفيضانات، وكذلك الخسائر الاقتصادية المتمثلة فى إتلاف العديد من المحاصيل.
وقبل أسابيع أيضا قال المتحدث الرسمى باسم فريق التفاوض السودانى عمر الفاروق، أن عدم إعطاء إثيوبيا للبيانات الصحيحة والتفصيلية اليومية عن حجم ومناسيب المياه المتدفقة، سيكلف السودانيين كثيرا، منها مثلا أن الخرطوم لن تكون قادرة على تشغيل سد الروصيرص، الذى يتيح ٨٠٪ من كهرباء السودان، إضافة إلى أنه السد الأساسى لزراعة منطقة الجريرة، وأن السد الإثيوبى يؤثر على حياة ٢٠ مليون سودانى، مهددين بتنفيذ نمط العيش، باعتبارهم يعيشون على الری الفيضى.
نفس الوضع مع مصر، لأن عدم وجود اتفاق قانونى وملزم لتشغيل السد يعنى أن مصر، ستكون تحت رحمة إثيوبيا.
وإذا كانت إثيوبيا تتعمد عدم تقديم المعلومات الصحيحة والكاملة للبلدين الآن، ونحن فى مرحلة التجارب الأولية، وأن السد لم يكتمل بعد ولم يملأ إلا أقل من 10 مليارات متر مكعب من إجمالى سعة تقدر بـ74 مليار متر مكعب، وإذا كانت إثيوبيا تتعمد فعل ذلك الآن، وتقدم المعلومات المضللة، فما الذى يمكن تصوره حينما يكتمل بناء السد، خصوصا فى ظل النبرة المتعجرفة لإثيوبيا، منذ نحو ثلاث سنوات، والتى تزيد حدتها يوما بعد يوم؟
الحكومات السودانية السابقة ارتكبت جريمة فى حق بلدها، وفى حق مصر، حينما سهلت لإثيوبيا استهلاك الوقت، وتعمدت القول بأن السد فى صالح السودان، وأنه سيحمى البلاد من أخطار الفيضانات، وسيمدها بكهرباء رخيصة. ليس هذا وقت البكاء على اللبن المسكوب، لكن من المهم أن يفكر البلدان مصر والسودان فى استراتيجية موازية للمفاوضات المتوقعة، لأنه ثبت يقينا أن إثيوبيا لن تقدم أى شىء ذى جدوى على طاولة المفاوضات. فسوء النوايا الإثيوبية الآن، وهى لاتزال تبنى السد يعنى شيئا واحدا، وهو أنها لن تتورع عن اتخاذ أغرب وأشد الإجراءات، للإضرار بمصر والسودان.
المنجهية والتحدى والصلف والنوايا الشريرة، تجعلنا لا نستبعد أن تقدم إثيوبيا على اتخاذ أشد الإجراءات غرابة، وبالتالى وجب علينا الاستعداد للحظة الحاسمة، بما أن أديس أبابا تصر على السير فى هذا الطريق الوعر. فتحركوا يا أولى الألباب، قبل أن ينهار السد بالفعل فيغرق معظم السودان، ويضر مصر بصورة وجودية.