بقلم : عماد الدين حسين
مساء يوم الأربعاء الماضى اعتمد مجلس الأمن الدولى بيانا رئاسيا بشأن قضية سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا بعد مداولات مستمرة منذ جلسة المجلس الشهيرة فى ٩ يوليو الماضى أى بعد حوالى ٦٧ يوما.
السؤال: كيف يمكن قراءة هذا البيان، وهل جاء منحازا لوجهة النظر المصرية والسودانية، أم الإثيوبية، والأهم هل يمكن أن يكون هذا البيان ممهدا لاستئناف التفاوض على أسس صحيحة، أم يعمق من سياسة التعنت والمراوغة الإثيوبية؟!
مبدئيا فإن أسوأ استنتاج هو القراءة بمنطق الأبيض والأسود، وهو أمر لا تعرفه أدبيات السياسة الدولية إلى حد كبير. ولكى نحكم بموضوعية على هذا البيان الرئاسى، فعلينا أن نقرأ السياق كله بصورة صحيحة، ونتذكر أن جلسة يوم ٩ يوليو الماضى كانت شديدة السلبية ضد مصر، ويومها تبنت غالبية الدول الأعضاء فى مجلس الأمن الموقف الإثيوبى بصورة فجة، أو وقفت على الحياد باستثناءات قليلة.
وقبل أن نتحدث فى المضمون، علينا أن نتذكر أن البيان الرئاسى غير ملزم، وهو ليس قرارا، حتى من الفصل السادس غير الملزم مقارنة بالفصل السابع الملزم.
تونس الشقيقة العضو العربى الإفريقى غير الدائم فى مجلس الأمن، هى التى قدمت مشروع البيان الرئاسى، وبسبب تعقيدات القضية، فإن جدلا شديدا ساد بين أعضاء المجلس طوال الأسابيع الماضية، بل خشى البعض فى لحظة من اللحظات، أن يصدر المجلس بيانا أو يتخذ موقفا يرتب أوضاعا أكثر سلبية على مصر، مما جعل البعض يفكر فى طلب سحب مشروع البيان.
أهم ما ورد فى المشروع التونسى هو ضرورة التوصل إلى اتفاق قانونى وملزم، فى فترة زمنية لا تتجاوز ستة شهور وعدم الإضرار بدول المصب، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية من جانب إثيوبيا.
لكن البيان النهائى الذى صدر مساء الأربعاء الماضى، أظن أنه أرضى الطرفين الرئيسيين المتنازعين أى مصر وإثيوبيا وأمسك العصا من المنتصف إلى حد كبير، وإن كانت إثيوبيا ترى أنها هى الفائزة. المجلس انحاز لوجهة نظر مصر، حينما دعا الأطراف الثلاثة لاستئناف المفاوضات، وكذلك حينما دعا إلى التوصل إلى اتفاق قانونى، لكنه انحاز لوجهة نظر إثيوبيا حينما وصف هذا الاتفاق بأن يكون مقبولا أو مرضيا.
كما انحاز إليها أيضا حينما قال إن المفاوضات يجب أن تتم تحت إشراف الاتحاد الإفريقى، ولم يذكر أى دور للأمم المتحدة أو الأمين العام، فى حين أن مصر طالبت مرارا بوجود رعاية دولية ملزمة، لكن البيان أرضى مصر، حينما قال إن الأطراف عليها أن تبحث فى انخراط أى مراقبين تدعوهم الأطراف الثلاثة لتسهيل المسائل الفنية والقانونية. كما شجع البيان المراقبين الذين شاركوا فى المفاوضات السابقة على مواصلة دورهم، وكذلك أى مراقبين آخرين تتوافق عليهم الدول الثلاث.
المجلس أيضا أمسك العصا من المنتصف حينما قال إن الاتفاق يجب أن يكون فى إطار زمنى معقول، لكنه لم يحدد المدة بالضبط وهو بند يرضى إثيوبيا إلى حد كبير.
يقول البعض إن البيان بلا قيمة لأنه غير ملزم، هذا صحيح، لكنه أيضا وثيقة رسمية مهمة من وثائق مجلس الأمن.
النقطة السلبية جدا هى تأكيد المجلس على «أن هذا البيان لا يعتبر سابقة أو مبدأ يبنى عليه لحل أى منازعات تتعلق بالمياه العابرة للحدود الأخرى فى المستقبل، وأن دور المجلس الرئيسى هو صيانة السلم والأمن الدوليين حسب ما جاء فى نصوص الأمم المتحدة» ومعروف أن دولا كبرى، خصوصا الصين وروسيا، حاربتا من أجل منع النقاش فى مجلس الأمن من الأساس ثم فرضت هذا البند باعتبار أنهما يمارسان نفس السلوك الإثيوبى مع جيرانهم فى قضايا مياه الأنهار.
وزارة الخارجية المصرية رحبت بالبيان واعتبرته «إلزاميا» وهى نقطة ملتبسة جدا بالنظر إلى أن البيانات بصفة عامة غير إلزامية، حتى لو كانت مهمة جدا.
هذه قراءة سريعة جدا، ويبقى السؤال الأهم هو: هل يمكن أن يكون هذا البيان قوة دفع لاستئناف مفاوضات جادة، أم تستمر إثيوبيا فى مواصلة التحدى وفرض سياسة الأمر الواقع؟!