بقلم: عماد الدين حسين
صباح الثلاثاء الماضى أعلنت سريلانكا أنها لن تتمكن من سداد ديونها الخارجية البالغ قيمتها ٥١ مليار دولار، بسبب أزمتها الاقتصادية الخانقة.
وزارة المالية فى هذا البلد الذى يبلغ عدد سكانه ٢٢ مليون نسمة، قالت بأن الدائنين بإمكانهم رسملة وجدولة المدفوعات المستحقة اعتبارا من الآن، أو اختيار أن يحصلوا على أموالهم بالعملة المحلية وهى الروبية.
سريلانكا تعانى من أزمة اقتصادية لم تشهد لها مثيلا منذ استقلالها عام ١٩٤٨، والسبب الظاهر فى هذه الأزمة هو جائحة كورونا، لكن السبب الجوهرى طبقا للعديد من الخبراء والمحللين العالميين هو سلسلة متتالية من القرارات السياسية للحكومة.
مظاهر الأزمة هى نقص الغذاء والوقود وانقطاع التيار الكهربائى وتضخم متسارع، والأهم ديون هائلة بالمقارنة بعدد سكان قليل. وطبقا لوسائل الإعلام فإن الوقود نفد من معظم محطات الوقود فى الأيام الماضية مما اضطرها للإغلاق، والمحطات التى ظلت مفتوحة تشهد زحاما كبيرا.
قبل سريلانكا كان هناك لبنان الذى توقف عن سداد ديونه منذ مارس ٢٠٢٠ وهو ما يعنى إعلان الإفلاس فعليا، رغم أن الحكومة لم تعلنه بصورة فعلية.
وقبل أيام أعلن سعادة الشامى نائب رئيس الحكومة اللبنانية والمفاوض الرسمى مع صندوق النقد الدولى، أن لبنان ومصرفها المركزى فى حالة إفلاس فعلية، وأن إمكانيات الدولة والبنوك ضعيفة للتعامل مع هذه الأزمة، وهو ما يعنى أن المودعين سوف يتحملون الثمن الأكبر من هذا الإفلاس.
وإذا كانت هناك حكومات كثيرة يمكن أن تبرر سبب مشاكلها الاقتصادية، بفيروس كورونا أو حرب أوكرانيا، فإن الطبقة السياسية اللبنانية الفاسدة والمفسدة لا يمكنها أن تفعل ذلك. والسبب أن الأوضاع الصعبة هناك سابقة للأزمتين، وسبق للمواطنين اللبنانيين أن تظاهروا واحتجوا لأسابيع طويلة فى الشوارع، وكادوا يقتلعون هذه الطبقة فى أواخر عام ٢٠١٩، لولا ظهور فيروس كورونا الذى ضرب العالم كله وجعل الجميع ينشغل به.
وقبل أيام وجّه النائب العام اللبنانى اتهامات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه بغسل الأموال واختلاس المال العام.
ونعرف جميعا أن الليرة اللبنانية وصلت إلى مستويات قياسية فبعد أن كان الدولار يساوى ١٥٠٠ ليرة حتى أسابيع قليلة مضت، وصل فى بعض اللحظات إلى ٢٥ ألف ليرة، كما بلغت الديون الخارجية أكثر من ٥٠ مليار دولار، وصارت نسبة فوائد هذه الديون تلتهم أكثر من ٦٠٪ من إجمالى إيرادات الدولة.
والمتوقع أن تسفر المفاوضات الجارية الآن مع صندوق النقد الدولى إلى برنامج شديد القسوة للإصلاح سوف يتحمله الفقراء والطبقة الوسطى، فى حين قد يفلت اللصوص بغنائمهم.
ومن سريلانكا ولبنان إلى تونس فإن بنك مورجان ستانلى حذر قبل أسبوعين من أن تونس ستواجه مخاطر التخلف عن سداد ديونها إذا لم يتمكن من الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وتوقع تقرير لـ«بلومبرج» أن تزيد الأزمة فى تونس فى العام المقبل، إذا لم تقدم على إجراء إصلاحات جوهرية. وتزايدت هذه المخاوف عقب خفض وكالة فيتش لتصنيف ديون تونس السيادية إلى «ــ B»، بعد أن بلغ الدين الحكومى ٩٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى عام ٢٠٢١.
ولكى تلبى تونس طلبات الصندوق فالمتوقع أن ترتفع تكاليف الغذاء والطاقة وتزيد أسعار الوقود، إضافة لاشتراط إصلاح نظام الدعم خصوصا الخبز والطاقة والسكر، وهو ما يعنى أيضا ارتفاع أسعارها.
هل يقف الأمر عند هذه الدول السابقة فقط؟
للأسف الإجابة هى لا، ففى تقرير للبنك الدولى هناك ٣٩ دولة من بين ١٨٩ دولة عضو فى مجموعة البنك الدولى، تعيش أوضاعا اقتصادية هشة بشكل مقلق ما دفع بتضاعف عدد الأشخاص الذين يعيشون فى مناطق صراع بين عامى ٢٠٠٧ و٢٠٢٠. والمحزن أنه فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيش واحد من بين كل خمسة أشخاص فى منطقة متأثرة بالصراع.
هؤلاء هم أول الضحايا للأزمة العالمية العاتية ونسأل مرة أخرى: هل هناك ضحايا محتملون آخرون؟!
نتمنى أن تكون الإجابة هى لا.