بقلم : عماد الدين حسين
كتبت قبل أيام تحت عنوان «رحلة فى مصلحة حكومية». الهدف لم يكن النقد أو التجريح، ولكن البحث عن حلول لهذه المشاكل المزمنة التى تواجه المواطنين المصريين منذ عشرات السنين.
المشكلة ليست خاصة بهذه الحكومة فقط، أو حتى الحكومات خلال عشر سنوات مضت. هى للموضوعية أزمة متفاقمة منذ عقود، وتحتاج القضاء على جذورها، وليس فقط فروعها.
فى نهاية مقالى الماضى تساءلت: هل هذا المستوى وهذا الأداء وهذا التعامل مع المواطنين الذى يتكرر فى العديد من المصالح والمؤسسات الحكومية، هو الذى يصلح للتعامل فى العصر الرقمى أو الإلكترونى، الذى نحلم به، ونردد مصطلحاته ليل نهار، بل وبدأنا فعلا فى تطبيقه فى بعض المجالات؟!
المؤسف أنه لا يوجد حل سحرى لهذه النوعية من المشاكل العميقة، التى تمثل عملية تعذيب مستمرة للمواطنين، خصوصا قليلى الحيلة منهم.
ورغم ذلك هناك حلول حتى لو كانت جزئية يمكنها أن تساعد فى تخفيف حدة المشكلة، بدلا من استمرارها، كما هى أو تفاقمها.
اقتراحى للحكومة ولوزارة التعليم وأى وزارة تواجه نفس المشكلة هو:
ما المانع حينما يذهب المواطن لأى إدارة تعليمية أو صحية أو اقتصادية أن ينهى معاملته فى نفس المكان؟!
لماذا لا يكون هناك موظف فى هذه الإدارات يتولى عمل الحوالات المالية وطوابع البريد، ويحولها لهيئة البريد، ولماذا يتم «مرمطة» المواطنين فى عملية كعب داير من أجل توثيق وتصديق إحدى الأوراق؟!. كيف نتحدث عن الرقمنة والحكومة الإلكترونية، ونحن لم نتمكن حتى الآن من اختصار هذه المعاملات فى مكان واحد؟!.
لماذا يضطر المواطن إلى الذهاب إلى أكثر من جهة لإنهاء معاملة واحدة؟! أظن أن الأمر هنا لا يحتاج إمكانيات أو موارد يتم التعلل بها. فى مرات كثيرة على سبيل المثال يمكن أن يكون هناك موظف لكل إدارة، طالما أن الموضوع بأكمله يخص وزارة التعليم؟!
المفترض مرة أخرى أن تكون كل المعاملات الإلكترونية خصوصا حينما تنتقل بعض هذه الوزارات والمؤسسات للعاصمة الإدارية الجديدة. لكن الواقع يقول إنه علينا أن نفكر فى الأمر بهدوء، حتى لا ينتقل هؤلاء الموظفون بنفس العقليات.
فى غالبية هذه المصالح الحكومية، وحينما تدخلها تتفاجأ بأكوام ضخمة من الملفات موجودة على السلالم ومربوطة بـ«دوبارة» أو «حبل غسيل» وقد تكدست عليها طبقات من التراب، وقد رأيت هذا النموذج فى مصلحة حكومية، ليست وزارة التعليم هذه المرة ــ فى منطقة العتبة المواجهة لجراج العتبة.
التعاملات ماتزال ورقية فى معظم هذه المصالح و«الكعب الداير» ما يزال فعالا، فكيف سيتم تفكيك هذه الأزمة، خصوصا أننا نتكلم عن «الشباك الواحد» فى هيئة الاستثمار، منذ زمن طويل، لكن لم يتم ترجمته عمليا بصورة فعالة، حتى الآن.
فيما يتعلق بالموظفين والإمكانيات فهناك أكثر من مشكلة، الأولى أن بعض الموظفين غير مؤهلين بالمرة، ولا أمل فيهم لأنهم نشأوا وتربوا على هذه الطريقة العتيقة، وهناك موظفون آخرون جيدون لكنهم يحتاجون إلى إعادة تأهيل وتدريب شاملة، حتى يمكنهم التعامل مع الجمهور بصورة آدمية.
النقطة الثانية، أن هناك نقصا كبيرا فى الإمكانيات، وقال لى أحد مديرى الإدارات التعليمية، بأن هناك نقصا فى الأماكن والغرف المخصصة لهم، ناهيك عن الفصول نفسها المخصصة للطلاب، فكيف سيتم حل هذه المعضلة، علما أن هناك نقصا فادحا فى المعلمين، وبعضهم يحصل على مقابل مالى ضئيل جدا خصوصا إذا كانوا بالقطعة وليسوا معينين.
هذه مشاكل جوهرية لا تخص وزارة التعليم فقط، ولكنها موجودة فى العديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات، وأرجو أن توليها الحكومة أهمية فائقة، لأنه من دون إصلاح الجهاز الإدارى، لن ينصلح حال أى شىء، بل إن استمرار تكلس هذا الجهاز، يمكنه أن يتسبب فى عرقلة كل عملية الإصلاح الجارية فى مصر.
فكيف نتغلب على هذه المعضلة؟!