بقلم : عماد الدين حسين
«العالم على بعد خمس دقائق قبل منتصف الليل»، وفى بعض الروايات المتشائمة فإنه على بعد دقيقة واحدة من النهاية.
التعبير السابق صار يتردد كثيرا على ألسنة العديد من السياسيين والخبراء والمختصين بالمناخ والبيئة، ويقولونه للتدليل على أن الكارثة تقترب أكثر وأكثر من العالم بسبب عدم الوعى الكافى بحقيقة المأساة، أو عدم الرغبة فى اتخاذ قرارات جادة لتفادى هذا المصير الذى يراه البعض آتيا، لا محالة، ما لم تحدث معجزة.
فى الأيام الماضية، كان تعبير «Cop 26» الأكثر ترديدا فى جميع وسائل الإعلام العالمية، والسبب انعقاد قمة المناخ السنوية التى حضرها قادة حوالى ٢٠٠ دولة فى مدينة جلاسجو الإسكتلندية لمواجهة التغيرات المناخية وتأثيراتها على مستقبل كوكب الأرض.
وما تزال هذه القمة مستمرة حتى يوم ١٢ من هذا الشهر على مستوى الفنيين والخبراء.
السؤال ماذا يعنى تعبير «Cop 26»؟
هو اختصار للكلمات التى تعنى: «المؤتمر السادس والعشرون للأطراف فى الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخى» والبعض يختصره بـ«الدول الأطراف».
فى عام ١٩٩٢ انعقدت قمة الأرض الشهيرة فى ريو دى جانيرو البرازيلية، وخرجت منها تعهدات كثيرة لتجنيب الإنسانية كارثة مناخية، وفى ٢١ مارس ١٩٩٤ دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ، ومنذ ذلك الوقت يعقد مؤتمر كل عام لمناقشة خطوات لتطبيق ذلك، المؤتمر تأجل العام الماضى، بسبب تأثيرات جائحة كورونا.
قد لا يعرف كثيرون أن العالم مقدم على كارثة إذا لم يتوقف المجانين عن سوقه إلى النهاية المحتومة. فما سبب ذلك؟
يقول الخبراء إنه لكى تعود الحياة إلى طبيعتها، فينبغى العودة إلى درجات الحرارة التى كانت سائدة قبل بدء عصر الصناعة ويحددونه بالعام ١٨٥٠، ولكى يحدث ذلك يجب ألا تزيد درجة الحرارة بأى حال من الأحوال أكثر من ١٫٥ درجة مئوية عما كان سائدا فى ذلك الوقت، وهو ما يطلق عليه «صفر انبعاثات» أو «الحياد الصفرى».
السؤال ماذا سيحدث إذا زادت درجة الحرارة عن هذا المعدل؟!
الإجابة هى أن الثلوج ستبدأ فى الذوبان، وبعضها بدأ بالفعل، وكما قال بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا، أنه إذا ارتفعت درجة الحرارة ٤ درجات إضافية، فإن مدنا كاملة، ستغرق مثل ميامى وشنغهاى والإسكندرية.
وهناك تقديرات أن استمرار ذوبان جليد المحيطات والمناطق القطبية قد يؤدى إلى ارتفاع مستوى البحار حتى ثلاثة أمتار.
يقول العلماء إنه لكى لا تزيد حرارة الكوكب عن ١٫٥ درجة، فإن ذلك يستلزم خفض الانبعاثات العالمية بنسبة ٤٥٪ بحلول عام ٢٠٣٠، عما كانت عليه عام ٢٠١٠، والوصول إلى «الصافى الصفرى» بحلول ٢٠٥٠، أما التعهدات الحالية من الدول المختلفة فستؤدى إلى زيادة الانبعاثات بنسبة ١٦٪ بحلول ٢٠٣٠ وليس إلى تقليلها.
فى هذه القمة تحدث كثيرون عن المصير المأساوى الذى ينتظر العالم، إذا لم تتحرك الحكومات لتفادى الكارثة.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش قال إنه منذ توقيع اتفاقية باريس عام ٢٠١٥ فإن السنوات الست الماضية هى الأكثر حرارة، وأن إدمان العالم للوقود الأحفورى، يدفع الإنسانية إلى الحافة، ونواجه اختبارا قاسيا، إما أن نوقفه أو يوقفنا. نحن نحفر قبورنا بأيدينا، وغابات الأمازون تتيح الآن انبعاثات كربونية أكثر من تلك التى تمتصها بسبب الإزالات المستمرة للغابات.
وأخطر ما قاله جوتيريش هو فكرة أن العالم فى طريقه لحل أزمة التغير المناخى هى وهم، وحتى إذا كانت التعهدات الأخيرة حقيقية، فإننا متجهون نحو كارثة مناخية، لأن التعهدات غير كافية.
جونسون تحدث بوضوح أيضا، ربما لأنه من يستضيف القمة، ولا يريد أن يدخل التاريخ من باب أنه الشخص الذى فشل هو وبلاده فى منع انحدار العالم نحو النهاية المحتومة، هو قال إن أولادنا الذين لم يولدوا بعد لن يسامحونا، وسيقولون إن جلاسجو هو الحدث الذى فشل فيه العالم أن يقلب صفحة التاريخ.
الأمم المتحدة تقول إنه حتى لو تم الإيفاء بالتعهدات الخاصة باتفاقية باريس لعام ٢٠١٥، فإن ذلك سيؤدى إلى احترار بـ٢٫٧ درجة مئوية، فى حين أن الهدف هو ١٫٥ درجة فقط.
السؤال المنطقى: وما الذى يمنع العالم من منع الكارثة؟!
الإجابة ببساطة أن الدول الأكثر تقدما لا تريد أن تخفّض انبعاثاتها، حتى لا تزيد تكلفة تقدمها، ولا تريد أيضا أن تقدم مساعدات حقيقية للعالم النامى لكى يتكيف مع التغيرات المناخية، وتلك قصة تحتاج مزيدا من النقاش.