بقلم : عماد الدين حسين
أى سياسى واقعى ينبغى عليه أن يرحب بقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بإلغاء فرض حالة الطوارئ، مساء يوم الإثنين الماضى.
أقول ذلك لأن هناك بعض الناس تفكر بطريقة ساذجة جدا، وتريد لكل المشاكل أن يتم حلها الآن وفورا، من دون تقدير ونظر للظروف والبيئة والتشابكات المختلفة محليا وإقليميا ودوليا.
قبل يومين قابلت زميلا صحفيا متقاعدا، قال لى إن القرار الأخير عادى جدا، وأنه سيؤيده حينما يتم الإفراج عن كل المسجونين، خصوصا مسجونى الرأى.
قلت للزميل: إنك طوال الوقت كنت تشكو وتقول إنه لا يمكن الحديث عن أى تقدم وتطور من دون إلغاء حالة الطوارئ. ولذلك حينما يتم اتخاذ هذا القرار، فإن الحكمة السياسية تتطلب الترحيب بمثل هذا القرار المهم جدا والبناء عليه، ثم النظر للخطوة التالية.
لكن هناك مشكلة لدى البعض الذين يفكرون بطريقة غير واقعية، وخلاصتها أنه لابد من حل كل المشاكل مرة واحدة، وإلا فإن كل ما يتم اتخاذه من خطوات لا قيمة لها.
السياسة لا تعرف هذا النوع المتطرف فى المثالية أو بالأصح السذاجة، بل هى تعرف فقط منطق الخطوة خطوة والتراكم أى البناء على ما تم إنجازه وتطويره.
أن يتم حل كل المشاكل مرة واحدة، هو أمر يحدث فى مرات قليلة فقط فى حياة الشعوب.
لا أحد عاقل يؤيد فرض قوانين وحالات الطوارئ أو استمرارها، لكن يمكن للمرء أن يتفهم ويتقبل فرضها فى الحالات الاستثنائية، حينما تتهدد البلاد أخطارا محدقة يمكن أن تعصف بها وباستقرارها.
كثيرون تفهموا فرض حالة الطوارئ بسبب الأعمال الإرهابية واسعة النطاق، التى نفذها المتطرفون والتكفيريون بعد ٣ يوليو ٢٠١٣، ووصلت ليس فقط لقتل رجال الجيش والشرطة والقضاة بل لتدمير أبراج ومحولات الكهرباء، والحمد لله أن رجال الأمن تمكنوا طوال السنوات الماضية وبتضحيات كثيرة من توجيه ضربات قوية للقوى والتنظيمات الإرهابية وكسر شوكتها، وبالتالى أمكن الوصول للحظة التى أعلن فيها الرئيس السيسى عدم تمديد حالة الطوارئ.
هذا قرار مهم جدا، ونتمنى أن تتبعه قرارات أخرى فى اتجاهات متعددة بما يعيد الأمور إلى طبيعتها العادية ويوسع المجال العام، ويفتحه أمام الآراء المتعددة، فى إطار القانون والدستور، مع الحفاظ فى نفس الوقت على الأمن القومى للبلاد.
ما حدث تطور مهم جدا بالنظر إلى كل الظروف التى مرت بها مصر وكذلك المنطقة، وبعضها ما يزال على صفيح ساخن، لكن المعنى الرئيسى الذى يمكن ملاحظته من إلغاء الطوارئ، هو أن مصر تمكنت فعليا من توجيه ضربات موجعة للإرهاب والإرهابيين، وتمكنت من تجفيف منابع تمويلهم، والقبض على معظم عناصرها وتحييد بعض الدول التى ترعاهم وتمولهم.
بالطبع لا يعنى ذلك أن الإرهاب اختفى، بل الأصح أنه سيحاول طوال الوقت الإيحاء بأنه موجود.
هناك قوى فى المنطقة والعالم لن تكون سعيدة باستقرار مصر وعودة كل الأمور إلى طبيعتها ولذلك لن يكون مفاجئا أن تحاول هذه القوى دفع بعض واجهاتها وأدواتها لافتعال أى مشاكل للإيحاء بأن الخطر ما يزال موجودا.
السؤال: ما الذى ينبغى على القوى السياسية أن تفعله فى المرحلة المقبلة لكى تستفيد من انتهاء حالة الطوارئ، خصوصا أن الحياة السياسية الطبيعية هى أفضل دواء لمواجهة التطرف والإرهاب الذى ينشأ فى حالات الفراغ المختلفة؟!!
هذا هو التحدى الذى يفترض أن تفكر فيه كل القوى السياسية المصرية فى الفترة المقبلة.