بقلم: عماد الدين حسين
كيف يمكن حل المعضلة المتمثلة فى ضرورة توفير العملة الصعبة بالحد من الاستيراد، وفى نفس الوقت عدم إغلاق العديد من المصانع بسبب منع استيراد العديد من السلع؟!
أطرح هذا السؤال لأن هناك شكاوى متزايدة من بعض المصنعين، الذين يقولون إنها قد تقود إلى إغلاق مصانعهم، وبالتالى مزيد من العاطلين والنتيجة خسارة فادحة للاقتصاد القومى.
أعلم يقينا أن المسألة ليست سهلة، ولا يوجد لها حل سحرى أو مجرد قرار تتخذه الحكومة. وبالتالى علينا أن نفكر بهدوء وبعمق لنصل إلى الحل الذى يضمن أكبر قدر ممكن من مصلحة الجميع، أصحاب المصانع والعاملين فيها والحكومة وبالتالى الاقتصاد القومى بأكمله.
لا أحد يجادل فى ضرورة وأهمية تقييد عمليات الاستيراد للسلع غير الضرورية والترفيهية أو المستفزة حسب تعبير البعض.
لكن من الذى يحدد أن هذه السلعة ضرورية فنستوردها، وغير ضرورية فنمنع استيرادها؟.
استيراد الحبوب أو سلع وسيطة لتشغيل مصنع ينتج سلعا أساسية مثل الزيت أو السكر أو الصابون أمر ضرورى، واستيراد منتجات لإطعام الكلاب والقطط أم غير ضرورى بالمرة لأن هناك بدائل محلية كثيرة، لكن المشكلة تكمن فى تلك السلع التى قد يختلف عليها البعض، وهل هى ضرورية أم لا، أو أنها ضرورية بالفعل، لكن القائمين على أمر الموافقات لا يدركون ذلك.
فى الأسابيع الأخيرة استمعت إلى العديد من القصص وكلها تدور حول تلك السلع التى يتم منع استيرادها أو يتم التباطؤ فى إجراءات استيرادها وتقع فى تلك المنطقة الرمادية الوسطى، بل وأحيانا فإن المسئولين التنفيذيين لا يدركون أنها سلع مهمة وضرورية للقطاع الصناعى.
أحد مصانع الجبنة يستورد مادة معينة من الخارج لتغليف هذا النوع، هنا نحن لا نتحدث كما قال لى صاحب هذا المصنع عن حذاء من ماركة عالمية ثمنه ألف دولار، فنمنع استيراده، بل نتحدث عن نوع من الجبنة يستخدمه كثيرون والأهم أن هذا المصنع يعمل فيه العديد من العمالة.
مصنع آخر ينتج كل ما يتعلق بالورق المستخدم فى التعبئة والتغليف للعديد من المنتجات مثل الأدوية والكراتين، لكنه يحتاج قطعة غيار تقنية معينة فيتم وقف استيرادها. مثلا هذه القطعة ثمنها عشرة آلاف دولار لكنها تتسبب فى وقف الإنتاج لمدة شهرين وخسارة تصدير بملايين الدولارات.
أى وطنى مخلص حتى لو كان صاحب المصنع يتفهم تماما وجود أزمة نقص دولارات فى غالبية المنطقة وليس فى مصر فقط، لكن لابد من حل لهذه المعضلة، لأن الثمن باهظ على الجميع وهو اضطرار بعض المصانع للتوقف بسبب نقص العديد من السلع اللازمة لعمل هذه المصانع.
مرة أخرى لا يوافق عاقل على استيراد سلع غير ضرورية، حتى نحافظ على العملة الصعبة، لكن ما نحتاجه هو أن يكون القائمون على مراجعة طلبات الاستيراد متخصصون وفاهمون لطبيعة السلع والصناعات المختلفة، والسؤال هل لدينا خبراء أكفاء وكافين لمراجعة كل طلبات الاستيراد؟!
المسألة لا تتعلق فقط بهذين المثلين أى الجبنة والورق، ولكها تتعلق بالعديد من الصناعات.
وبالتالى فنحن فى أمس الحاجة إلى خبراء ومسئولين فى هذه اللجان يكونون قادرين على قياس كل قرار فى هذ المجال بـ«المازورة». المشكلة أن بعض القائمين على اتخاذ هذه القرارات يصعب أن نطلب منهم أن يكونوا متخصصين فى جميع المجالات والسلع والمعدات المستوردة ومدى أهميتها أو عدم أهميتها للاقتصاد الوطنى.
نحتاج إلى مراجعة الأمور بهدوء، ليس للتراجع عن قرار معين من عدمه، بل لمناقشة تأثير القرارات على الواقع، وهل قادت إلى وقف وتخفيض نزيف العملات الصعبة بالفعل، أم أنها أدت إلى توقف مصانع كثيرة وزيادة عدد العاطلين؟.
لا أزعم أننى أملك إجابة لهذا السؤال، لكن من المهم أن تكون هناك لجنة حكومية بالتعاون مع البنك المركزى والخبراء واتحاد الصناعات وكل من يهمه الأمر، لبحث القضية والوصول إلى حلول لمصلحة الاقتصاد القومى، وليس لطرف على حساب آخر.
هناك معيار مثلا أن يتم اتخاذ القرار على أساس موضوعى وهو هل تساهم هذه السلع والأدوات والمستلزمات فى زيادة الصادرات بالدولار، أو تمنع استيراد سلع أكثر بالدولار. القصة ليست مصنع جبنة أو ورق ولكن ما هو الأثر الفعلى على مجمل النشاط الاقتصادى.. وهل استفدنا منه أم تضررنا، وتلك قاعدة موضوعية يمكن تعميمها على كل القطاعات.
وللموضوعية فإن الحكومة والبنك المركزى شرعا فى الأيام الأخيرة فى معالجة هذه المشكلة.