بقلم : عماد الدين حسين
«سندفن هذا العدو بدمائنا وعظامنا وسنعلى مجد إثيوبيا من جديد، الحفرة التى تم حفرها ستكون عميقة جدا وستكون حيث يدفن فيها الأعداء، وليس حيث تتفكك إثيوبيا».هذه العبارة قالها رئيس الوزراء آبى أحمد يوم الأربعاء الماضى فى أحد مقرات الجيش الإثيوبى، ولأنها تعتبر تحريضا على العنف فقد قام موقع الفيسبوك بحذفها لأنها تنتهك سياسات الموقع، خصوصا أن أحمد دعا شعبه أيضا إلى حمل السلاح فى وجه مقاتلى جبهة تحرير التيجراى.
ومن الواضح أن أحمد لم ينتهك فقط قواعد الفيسبوك، بل انتهك كل القواعد فى كل المجالات، ووصل الآن إلى مرحلة التخبط الكامل.
فى هذه الأيام يمر عام كامل على قراره المتهور بإعلان الحرب على جزء من شعبه، حينما بدأت قواته بغزو إقليم التيجراى بحجة إخضاعه فى ٤ نوفمبر ٢٠٢٠، وبعد ذلك بأسابيع دخلت قواته مدينة ميكيلى عاصمة الإقليم، واعتقد هو وكثيرون غيره أن الحرب قد انتهت، وأن تمرد التيجراى قد انتهى إلى غير رجعة وأن كل الأمور قد استتبت لكى يتم تنصيبه ليس فقط ملكا متوجا على إثيوبيا، بل على القارة الأفريقية بأكملها!!.
جائزة نوبل ومن يرعاها ارتكبت خطأ تاريخيا حينما منحت هذا الرجل جائزة نوبل للسلام عام ٢٠١٨، بحجة أنه تصالح مع إريتريا وبعض البلدان المجاورة.
الذين منحوه الجائزة، لم يقرأوا حقيقة تفكيره ونواياه، التى لا تعرف معنى السلام، وكان الأولى أن يتم محاكمته كمجرم حرب.
سنتحدث اليوم فقط عن إجرامه ضد جزء كبير من شعبه، هو إقليم التيجراى، علما أنه فعل الأمر نفسه فى العديد من أقاليم إثيوبيا، ومنها إقليم أورميا، الذى ينحدر منه.
هذا الإقليم هو الذى شجعه وأيده ليصبح أول رئيس للوزراء من هذه العرقية، بعد أن كان هذا المنصب حكرا على عرقية التيجراى طوال الفترة من عام ١٩٩١، وحتى ٢٠١٨. لكن الذى حدث أن غالبية أبناء عرقيته انقلبوا عليه، وبدأوا فى التحالف مع عرقيات أخرى لإسقاطه، بعد أن خذلهم فى كل شىء كما يقولون.
آبى أحمد تقول عنه إدارة جائزة نوبل أنه رجل سلام، لكن تقريرا مشتركا بين الأمم المتحدة وإثيوبيا صدر يوم الأربعاء الماضى يؤكد بوضوح أن كل أطراف الصراع فى حرب التيجراى ارتكبت انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب وتشمل القتل والتعذيب والاغتصاب والخطف، وأن كل المقاتلين ارتكبوا أعمال اغتصاب واسعة ضد النساء.
التقرير الدولى المؤلف يقول إن الجنود الإريتريين المتحالفين مع قوات آبى أحمد ضد شعبه قتلوا ١٠٠ مدنى على الأقل فى مدينة اكسوم، وأن كل أطراف النزاع عذبوا سجناء وأسرى بينهم مدنيون.
التقرير الأممى أيضا يوثق وجود حالات قتل خارج القانون وهجوم على لاجئين ومشردين.
ميشيل باشليت المفوضة السامية لحقوق الإنسان فى الأمم المتحدة، قالت خلال إطلاق هذا التقرير إن الصراع فى تيجراى اتسم بوحشية مفرطة، وأن هناك أدلة منطقية أن جميع أطراف النزاع متورطون بشكل مباشر فى الهجوم على مدنيين ومنشآت مدنية من مدارس ومنازل ومستشفيات ودور عبادة، أو شن هجمات عشوائية راح ضحيتها مدنيون.
التقرير يطالب الحكومة الإثيوبية بفتح تحقيقات شاملة وفعالة على يد جهات مستقلة ومحايدة فى هذه الانتهاكات.
إذا كل ما سبق هو كلام الأمم المتحدة، وليس من تأليف قوى ودول يقول آبى أحمد إنها مغرضة وتريد تقسيم بلاده.
التقارير الدولية تقول أيضا إن عدد الفارين من مدينتى ديسى وكمبوتشى يبلغ 250 ألفا، وأن الصراع أدى إلى مقتل وجرح الآلاف ونزوح 2.7 مليون شخص فى الداخل، وهناك 400 ألف شخص معرضون لشبح المجاعة، وأن الحكومة تفرض حصارا غذائيا واقتصاديا على التيجراى مما عطل عمليات الإغاثة بالإقليم.
لو كان هناك شخص لعب الدور الأكبر فيما وصلت إليه إثيوبيا من تفتت وانقسامات وحرب أهلية وجرائم حرب تقترب من الإبادة الجماعية، فهو آبى أحمد نفسه، وليس أى شخص آخر.
إثيوبيا قبل أن يتولى حكمها أحمد، كانت أحوالها أفضل كثيرا، ورغم كل الصعوبات والتحديات، فإنها كانت قبلة ووجهة المستثمرين من دول كثيرة، وكانت من أسرع الاقتصادات نموا فى القارة، حتى جاء آبى أحمد وحولها إلى ما يشبه الخرابة، وبالتالى فلا يلوم إلا نفسه، وسوف يحاسبه شعبه والتاريخ حسابا عسيرا.