بقلم : عماد الدين حسين
ظهر يوم الإثنين الماضى، كنت متحدثا فى الجلسة الأولى من مؤتمر «إعلاميون ضد الكراهية»، الذى نظمه «مجلس حكماء المسلمين»، فى العاصمة الأردنية عمان.
الجلسة كانت بعنوان «إشكالات خطاب الكراهية فى الإعلام العربى.. وآفاق تجاوزها». الجلسة أدارها الإعلامى اللبنانى طونى خليفة، وتحدث فيها أيضا الباحث الأردنى إبراهيم غرايبة، ورئيس تحرير جريدة الاتحاد الإماراتية، حمد الكعبى، والإعلامية اللبنانية يولاند سيمون خورى.
عندما جاء دورى فى الحديث، قلت إن هناك غموضا والتباسا واختلافا فى تعريف معنى خطاب الكراهية، وإن كنت أميل إلى التعريف الذى يقول إنه: «العنف اللفظى المتضمن فى الخطاب الدولى والكره البين والتعصب الفكرى والتمييز العنصرى والتجاوزات التعبيرية القدحية والنظرة الاستعلائية فى الخطاب المصحوب بالإقصاء الممهنج».
قلت أيضا إن خطاب الكراهية موجود منذ الأبد وسوف يستمر إلى الأبد، لأنه لصيق بالحياة الإنسانية. والفارق بين مجتمع وآخر، يكمن فى تقليل درجة خطاب الكراهية إلى أقل حد ممكن.
النقطة الجوهرية أن الإعلاميين، الذين يفترض أن يواجهوا خطاب الكراهية، معظمهم يمارسون هذا الخطاب ليل نهار، سواء كانوا يدركون ذلك أم لا.
وبالتالى فقبل أن نطالبهم بتوعية الجمهور العام بنبذ خطاب الكراهية، علينا أن نتأكد أولا أنهم يدركون جيدا مفردات خطاب الكراهية، وبالتالى لا يقعون هم فى أسره.
من يشكك فى كلامى عليه مراجعة ما يكتبه ويقوله غالبية الإعلاميين العرب جهارا نهارا على شاشات الفضائيات والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعى، وسوف يكتشف أنهم أكثر تعصبا وترويجا لخطاب الكراهية بين الجماهير العربية، وضربت مثلا بما يحدث بين جماهير الأهلى والزمالك فى مصر.
لا يمكن للإعلاميين الرياضيين العرب أن يساهموا فى نبذ الكراهية والتعصب ونشر التسامح، فى حين أن غالبيتهم يلعبون دورا كبيرا فى نشر هذه المفاهيم البغيضة.
قلت أيضا إنه وقبل أن نتحدث عن قبول الآخر علينا أن نقبل بعضنا البعض أولا فى مجتمعاتنا العربية، وإذا حدث ذلك ونجح، يمكن وقتها أن نتحدث عن قبول الآخر.
من المشاكل أيضا أن غالبية النخب ومن بينهم الإعلاميون، يتحدثون ليل نهار عن التنوع والتعددية، لكن معظم هؤلاء غالبا لا يطبقون ذلك على أرض الواقع.
وسائل التواصل الاجتماعى، ورغم أنها لعبت دورا مهما جدا فى نشر ثقافة التنوع والحريات، خصوصا للفئات المهمشة، إلا أنها لعبت أيضا دورا فى غاية السلبية فى نشر ثقافة الكراهية والتعصب والعنف والتطرف.
فى هذه الوسائل الشائعات والأخبار الناقصة والمزيفة والمزورة والمضروبة، هى الأساس ويضاف لذلك الكتائب الإلكترونية، التى صارت منتشرة بكثرة، ويستخدمها نجوم الفن والرياضة وبقية المجالات لضرب الآخرين ونشر ثقافة الكراهية، ناهيك عن الكتائب السياسة التى سبقت الجميع فى هذا المضمار، ولا يخلو حزب أو تنظيم من كتيبة إلكترونية مهمتها الرئيسية، ليس الترويج لفكره ومبادئه، ولكن لنشر الحقد والتعصب والكراهية والبغضاء. ولا يقتصر الأمر على الأحزاب والأفراد بل لدينا دول فى المنطقة والإقليم ترعى وتمول وتستضيف تنظيمات إرهابية تنشر الكراهية.
إذا كانت للحروب التقليدية قواعد اشتباك محددة وأخلاقية، فإن السوشيال ميديا، لا تعرف كل ذلك، بل تخوض فى الأعراض والقيم والخصوصيات الفردية والأسرية، وصارت هى الساحة الفسيحة لامتدادات المعارك الحقيقية على الأرض.
خلال المناقشات داخل القاعة فى واحد من أكبر فنادق العاصمة عمان بالدور الخامس. تمنيت أن يبادر مجلس حكماء المسلمين الذى يترأسه شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، وأمينه العام الدكتور فيصل سلطان الرميثى إلى تنظيم دورات تدريبية للإعلاميين العرب أونلاين، تعرفهم ماذا يعنى خطاب الكراهية ومفرداته، وكيف يوضح للجماهير العربية عدم الوقوع فى شباكه، وقلت أيضا إنه من الظلم أن نتهم المواطنين العاديين بنشر خطاب الكراهية، أو حتى أجهزة الإعلام فقط، لكن علينا أن ننتقد أيضا الحكومات والأنظمة التى ترعى مثل هذا النوع من الخطابات، ولا تعالج الثقافة المجتمعية العامة التى تكرس لخطاب الكراهية.
قلت أكثر من مرة إن شيوع ثقافة التنوع والتعددية والديمقراطية وقبول الآخر سيلعب دورا مهما فى القضاء على جانب كبير من خطاب الكراهية فى المنطقة العربية.