بقلم: عماد الدين حسين
حينما تزور أوزبكستان فإن أحد أهم ما يلفت نظرك هو أن الماضى والحاضر متجاوران، من دون أن يؤثر أحدهما على الآخر.
أوزبكستان من البلدان ذات التاريخ العريق، ولديها آثار مهمة، وقدمت العدد الأكبر من علماء ورموز الحضارة الإسلامية، خصوصا عالم الرياضيات والفلك والجغرافيا الخوارزمى المولود فى مدينة خوارزم، ونظرياته هى الأساس فى الخوارزميات نسبة إلى اسمه التى يستخدمها العالم أجمع الآن فى معظم الحواسيب.
وأنجبت ابن سينا المولود قرب بخارى، وله مساهمات عظيمة فى الطب والفلسفة ومؤلفه كتاب الشفاء. ونفس المنطقة أنجبت الإمام البخارى وهو صاحب أهم الكتب فى الأحاديث النبوية.
أوزبكستان قدمت للحضارة الإنسانية البيرونى والنسائى والزمخشرى والترمذى ولا ننسى العالم أحمد الفرغانى صاحب مقياس النيل، وبرهان الدين الميرغلاتى صاحب كتاب الهداية فى الفقه الحنفى.
كم لا ننسى أن سيف الدين قطز وبيبرس ومعهم المماليك من أوزبكستان ولعبوا دورًا مهمًا فى التصدى للمغول فى موقعة عين جالوت الشهيرة.
كل ما سبق هو فى التاريخ والماضى، لكن حينما زرت أوزبكستان لمراقبة الانتخابات البرلمانية ضمن وفد برلمانى مصرى يوم 28 أكتوبر الجارى، لفت نظرى أن أوزبكستان تحتفى بتاريخها وعلمائها وآثارها وتاريخها بصورة دائمة، وليس فقط بالكلام ولكن بصور عملية متعددة.
ورأيت ذلك فى طشقند وسمرقند وبخارى وفرغانة ومارغيلان خلال ثلاث زيارات لهذا البلد فى السنوات الثلاث الماضية.
بعد أن انتهت مهمتى الرسمية الأسبوع الماضى من زيارة بعض اللجان الانتخابية فى مدينة فرغانة القريبة من الحدود مع طاجكستان زرت متحفًا لتاريخ المنطقة؛ حيث خصص مكانًا بارزًا لغالبية الرموز التاريخية.
خرجت من هذا المتحف وزرت مركزًا يدويًا خاصًا لصناعة الحرير، وخلال جولتى لفت نظرى قاعة واسعة جدا عليها صور متنوعة وحينما سألت مرافقى، قال إنهم أبرز علماء أوزبكستان ومنطقة فرغانة ومرغيلان الذين أسهموا فى الحضارة الإنسانية، وبالطبع كان من بينهم المشاهير مثل ابن سينا والخوارزمى والبخارى والبيرونى والترمذى، وآخرون للأسف لم أقرأ عنهم من قبل.
فى زيارة سابقة لمدينة سمرقند زرت ضريح الأمير تيمور الذى يعتبر رمزًا وبطلاً قوميًّا هناك، لكن دوره جدلى جدا بالنسبة لدول أخرى قام بغزوها.
وأحد أهم معالم سمرقند ساحة راجستان أى «مدينة الرمل» بمجموعتها المعمارية التى لا مثيل لها، وتعتبر من أجمل نماذج العمارة الإسلامية فى العالم. إذ يوجد فى وسط المجمع ثلاث مدارس دينية وهى مؤسسات تعليمية دينية إسلامية مبنية وفق طراز مميز. وتعد آثارًا رائعة للعمارة الشرقية وهذه المجموعة المعمارية مدرجة فى قائمة التراث العالمى لليونسكو.
وتصدرت أوزبكستان الكثير من دول العالم فى جمع المخطوطات الإسلامية النادرة، والتى دخلت ضمن مجموعة «ذاكرة العالم» لليونيسكو.
وتعتبر الهندسة المعمارية فى أوزبكستان رمزا لتاريخ الشعوب من مآذن سمرقند المهيبة إلى أعمال البلاط المعقدة فى بخارى، ويحكى كل مبنى قصة من ماضى المنطقة، هناك أيضا نمط العمارة السوفيتى وهو نموذج عملى جدًا لكنه قاتم ومقبض، وهناك نموذج البناء الحديث والأبراج العالية فى طشقند الجديدة. لكن كل هذه النماذج تتعايش معًا دون أن يجور أحدهما على الآخر.
أوزبكستان مشهورة جدا على المستوى العالمى بالخزف ومشتقاته من أول منفضة السجائر مرورًا بأطباق الطعام نهاية بالجدران.
الأشكال والرسوم فى غاية الروعة والجمال خصوصا تلك التى أبدعها علماء وفنانو وحرفيو الماضى. ويقال إن الأمير تيمور أحضر خلال غزواته العديد من العمال المهرة من عدد كبير من البلدان التى غزاها، كما فعل العثمانيون فى تركيا.
وحتى المبانى الجديدة والحديثة فى أوزبكستان فإن جزءًا كبيرًا منها مزينة بزخارف ورسومات الماضى.
لماذا أكتب عن هذا الموضوع اليوم؟.
ليس فقط لأنى انبهرت بهذا الجمال والتاريخ، ولكن أيضا كى ألفت النظر إلى كيفية التعامل مع التراث سواء كان مقبرة أو قصرًا أو أى أثر مهم بغض النظر إذا كان مسجلاً كأثر أم لا.
هذا التراث ملك ليس فقط لأبناء البلد اليوم، ولكنه ملك للإنسانية بأكملها وللأجيال المقبلة، حتى تعرف تاريخ أجدادها وماذا قدموا للبشرية.
فى معظم الأحيان فإن الحفاظ على أثر حتى لو واجهة أو سقف مقبرة أهم كثيرا من بناء أى شىء مهما كانت أهميته.
يمكن أن نبنى فى أماكن كثيرة متاحة، وحتى لو اضطررنا للهدد والنقل، فمن الأهمية المحافظة على هذه الكنوز ونقلها على أيدى متخصصين، وليس مقاولى هدد لا يعرفون قيمتها.
كل الأمل أن يتم مراجعة الطريقة التى يتم التعامل بها مع تراثنا خصوصا فى المقابر الأثرية، حتى لا يكتب عنا التاريخ أننا من أضعنا آثار الأجداد.