بقلم : عماد الدين حسين
قبل أيام ذهبت إلى إحدى الوزارات الخدمية لإنجاز معاملة. هى وزارة يتعامل معها كل المصريين تقريبا، ولن أذكر اسمها، أولا حتى لا يفهم أننى أشهر بها، وثانيا لأن ما شاهدته موجود منذ عقود فى وزارات كثيرة، وبالتالى فالهدف هو البحث عن حلول.
بعد انتظار دخلت الغرفة، فى الحادية عشرة صباحا، وكان فيها حوالى سبعة موظفين.
الموظف الأول حولنى على موظف آخر. هذا الموظف الثانى، كان يتناول سندوتشات فول وطعمية على مكتبه، وبالتالى اضطررت أنا وثلاثة مواطنين آخرين للانتظار حتى يكمل إفطاره.
الموظف كان مهذبا، واستمع لطلبى بكل هدوء، لكن الزحام بدأ يشتد. الموظف طلب منى أن أختم الطلب من موظفة فى حجرة أخرى. دخلت «بطلوع الروح» للغرفة، وكان الزحام أشد، ونصف الموجودين لا يرتدون الكمامة.
تعاطفت كثيرا مع الموظفة، لأنها وحيدة والمواطنون يتزايدون. وبعد ربع ساعة ذهبت للخزينة لدفع الرسوم المستحقة. والحمد لله تم الأمر على خير. عدت للموظف الأول لأحصل على الورقة المطلوبة، مختومة بختم النسر، كى يصبح معترفا بها داخليا، وخارجيا، بعد التوثيق من وزارة الخارجية.
وفى اليوم التالى ذهبت إلى وزارة خدمية أخرى، وهناك كان المشهد يتكرر بحذافيره، مع الفارق أن الإفطار كان جماعيا، وأقرب لمائدة على أحد المكاتب، عليها كل أصناف الفطار المصرى الأصيل من فول وطعمية وسلاطة وباذنجان مقلى ومخلل وطحينة وبصل وجرجير.
مرة أخرى لا أكتب هنا للشكوى، ولكن للبحث عن حد أدنى من التنظيم والنظام. أعرف وأدرك أن الإفطار فى المكاتب خصوصا الحكومية صار جزءا من الثقافة المصرية الأصيلة، وللموضوعية لا يقتصر الأمر على المكاتب الحكومية، لكنه يمتد ليشمل كل المهن والوظائف تقريبا، سواء كانت مكاتب أم محلات أم ورشا. وهو ما كنا نفعله أحيانا فى جريدة «الشروق»، قبل ظهور فيروس كورونا، لكننا توقفنا تقريبا، خوفا من أى عدوى محتملة.
قبل أيام أيضا كان صديق عزيز فى زيارة لليونان. حينما دخل مطار القاهرة وجد موظفا يقيم نفس المائدة مضافا إليها التونة والبصل، لكن حينما وصل مطار أثينا أنهى كل معاملاته من فحص للجواز إلى إجراء مسحة وعمل «كيو آر كود»، فى أقل من ربع ساعة، مجانا، ومن دون دفع 250 جنيها.
اليونان أقرب إلى ظروفنا وأحوالنا، وليست غنية مثل ألمانيا أو بريطانيا، ورغم ذلك، فكل الإجراءات تمت هناك بسهولة ويسر وهدوء ونظام. هذا الصديق حينما عاد للقاهرة أمسك موظف الجمرك بجواز سفره وقام بتقليبه مرتين أو ثلاثا، ثم سأله أسئلة غريبة من عينة: «كنت فين وكم قضيت هناك، وما اسمك وكم عمرك؟»، رغم أن كل ذلك موجود فى جواز السفر، الذى تصفحه أكثر من مرة. وبعدها سأله: هل معك ما يستحق الجمرك؟ فقال له لا، والدليل أننى دخلت فى الممر الأخضر أى ليس معى ما يستحق الجمارك، والغريب أنه بعد كل هذا النقاش طلب منه أن يضع حقيبته على جهاز الإسكانر، فقال له الصديق هل تكذبنى وتشك فى؟!
أعرف أن الموظف ينفذ تعليمات سابقة قديمة وأعرف أن هناك متهربين لابد أن تأخذ الدولة حقوقها منهم، لكن مطلوب أن نبحث عن طريقة آدمية للتعامل مع المواطنين.
مرة أخرى هذه السلوكيات ناتجة عن ثقافة متأصلة أحد أسبابها عدم الثقة فى المواطن، وثانيا عدم تعودنا على النظام، وثالثا بسبب عدم كفاءة الجهاز الإدارى، ورابعا أعذر فيه الموظفين بسبب وجود «الواسطة» التى تنسف أى نظام فى أى مكان. لكن الأهم من وجهة نظرى هو ضرورة أن نجرى دورات تدريبية مكثفة للموظفين خصوصا الذين يحتكون بالجمهور، وندربهم على كيفية التعامل، وأن نتأكد أن عدد الموظفين كافٍ ومناسب لتلبية الأعداد التى تتردد على هذه المصالح. وأن نتعود نحن المواطنين على ثقافة النظام بدلا من حالة الفوضى الموجودة فى كل مكان، باستثناءات قليلة مثل بعض البنوك والمؤسسات الخاصة.
هل يمكن مثلا أن نقنع الموظفين بأن هناك نصف ساعة مخصصة لتناول الطعام وأن نمنع التدخين تماما داخل أماكن العمل، وأن من حق المواطن أن يحصل على معاملة آدمية من الموظف، مقابل أن يحترم المواطن الموظف باعتباره يؤدى خدمة للجمهور، وبعض هؤلاء ظل يعمل منذ دخوله المكتب وحتى لحظة انتهاء عمله، وبالتالى وجب علينا ألا نقسو عليهم بل نبحث عن إصلاح بيئة العمل؟