من المهم ومن الواجب ومن الضرورى ألا نترك إثيوبيا فى حالها، ما دام أنها قررت الاستمرار فى رفض التوصل إلى اتفاق قانونى وملزم لإدارة سد النهضة، بعد أن أعلنت أنها أكملت ملء السد قبل أسابيع.
حصة وحق مصر من مياه النيل أمر لا نقاش فيه، ويفترض أن يصل هذا الأمر الواضح والقاطع إلى كل من يهمه الأمر فى المنطقة خصوصًا دول حوض النيل.
مياه النيل المفترض أنها تحتل مرتبة متقدمة جدًا فى أولويات الأمن القومى المصرى، إن لم تكن تحتل المرتبة الأولى بجانب التهديد الإسرائيلى الوجودى، حتى مع وجود اتفاق للسلام معها منذ عام ١٩٧٩.
وفى هذا الإطار ينبغى أن نشيد بالخطاب الذى وجهه وزير الخارجية بدر عبدالعاطى، أمس الأول الأحد، إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ردًا على تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد بشأن المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة، وحجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام، واستكمال بناء الهيكل الخرسانى للسد، وكلها أمور ترفضها مصر جملة وتفصيلًا.
خطاب الخارجية المصرية يؤكد رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة للقانون الدولى، كما أنها خرق صريح لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان فى مارس ٢٠١٥، والبيان الرئاسى لمجلس الأمن فى ١٥ سبتمبر ٢٠٢١.
الخطاب يكشف عن أن انتهاء مسار المفاوضات بشأن السد بعد ١٣ عامًا من التفاوض، بعد أن اكتشف الجميع بأن أديس أبابا تريد وجود غطاء تفاوضى لأمد غير منظور لتكريس الأمر الاقع. الخطاب يقول إن السياسات الإثيوبية غير القانونية ستكون لها آثارها السلبية الخطيرة على مصر والسودان.
من أهم نقاط الخطاب أن مصر مستعدة لاتخاذ كل التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه؟
ومن الملفت للنظر أن هذه الفقرة كانت واضحة بنفس المعانى تقريبًا فى اجتماع اللجنة العليا لمياه النيل التى اجتمعت برئاسة رئيس مجلس الوزراء د. مصطفى مدبولى، الأسبوع الماضى، وأكدت حق مصر فى الدفاع عن أمنها المائى، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة.
من يتابع أزمة سد النهضة سوف يكتشف أن مصر تعاملت بحسن نية شديد جدًا وبأخوة منذ تفجر الأزمة فى أبريل ٢٠١١، بعد شهرين فقط من ثورة ٢٥ يناير، ومن الواضح أن هذا المنهج والمنطق لم تفهمه إثيوبيا بالصورة الصحيحة، وبحسن النية المصرى والرغبة العارمة لدينا للتوصل إلى اتفاق يحفظ حقوق الجميع، حق إثيوبيا فى التنمية وحق مصر فى الوجود، وهو المعنى الذى قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال تحدثه للبرلمان الإثيوبى فى ٢٥ مارس ٢٠١٥، مؤكدًا أن النيل هو مصدر الحياة لـ٩٠ مليون مصرى، وأنا بينكم الآن لنكسب معًا ونصنع مستقبلًا مزدهرًا للجميع ومصر تقف بكل عزم بجانب الأشقاء فى إثيوبيا انطلاقًا مما أكده الزعيم جمال عبدالناصر، «وأن مصر الزاخرة بالموارد والطاقات على استعداد لاستثمار كل طاقتها مع الاشقاء فى إثيوبيا».
الآن عدد سكان مصر يزيد على ١٠٦ ملايين نسمة ومواقف مصر ظلت سلمية وتعاونية، لكن الذى اتضح للجميع هو أن إثيوبيا ضربت بكل ذلك عرض الحائط، ومارست سياسة الخداع والتسويف والمراوغة والكذب حتى اكتمل بناء السد، وبعدها أعلنت بكل صلف وتبجح أن النيل الأزرق صار بحيرة إثيوبية، ولم يعد نهرًا دوليًا للجميع. وبالتالى يحق لمصر أن تفعل كل ما فى وسعها لضمان حقوقها طبقًا للقانون الدولى ومواثيق الأمم المتحدة.
لا ندعو إلى الحرب أو الدمار، كما يعتقد بعض العامة، لكن فى جعبة مصر الكثير كى تؤكد لإثيوبيا أنها سوف تدفع ثمنًا باهظًا، بسبب إصرارها على الاستمرار فى سياسة العنجهية والإضرار بحقوق مصر المائية.
من المهم إظهار العين الحمراء لإثيوبيا بكل الصور المتاحة حتى لا تبدأ فى بناء مزيد من السدود على النيل الأزرق.
بيت إثيوبيا من زجاج هش وقد سبق تهشيمه أكثر من مرة على يد دول كثيرة بالمنطقة. وأحد أكبر أخطاء قادة إثيوبيا الآن أنهم لم يقرأوا التاريخ جيدًا بما فيه التاريخ الحديث. تعتقد إثيوبيا أنها صارت قوة إقليمية مهيمنة، وأن على الجميع أن يخضعوا لها، وعلى القوى الكبرى خصوصًا أمريكا أن تتعامل معها باعتبارها شرطى المنطقة، لكنها تنسى أن الذى بيته من زجاج ينبغى عليه ألا يرمى الآخرين خصوصًا الجيران بالحجارة، لأنه أول من سوف يتهشم بها!