بقلم : عماد الدين حسين
يوم الجمعة الماضى أعلن الجيش الإثيوبى عن إحباطه لما أسماه محاولة عناصر متحالفين مع الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، التسلل إلى المنطقة التى يقع فيها سد النهضة لتعطيل بنائه بمساعدة من السودان.
منسق العمليات فى المركز القيادى لمجموعة القوات المشتركة فى منطقة متكل العقيد سيفو اينغى، قال إن الجيش الإثيوبى أحبط هذا المخطط وقتل خلال العملية أكثر من ٥٠ مسلحا وأصاب ٧٠ آخرين، كانت بحوزتهم أسلحة خفيفة وثقيلة وألغام، وإن العناصر المتمردة انهزمت، وتوجه جزء كبير منها للالتحاق بـ«أعدائنا التاريخيين» لمحاولة تعطيل أعمال بناء سد النهضة».
هذه هى المعلومات الأساسية التى أعلنها الجيش الإثيوبى وهناك مجموعة من الملاحظات الأساسية بشأنها.
الملاحظة الأولى: أن بيان الجيش الإثيوبى شديد العمومية والغموض، ومن الواضح أن الهدف الواضح منه هو التشهير بما أسماهم البيان بـ«الأعداء التاريخيين»، أى مصر والسودان.
٢ ــ الملاحظة الثانية: أن البيان لم يحدد بالضبط هل تصديه للهجوم المزعوم كان قرب موقع سد النهضة، أم بعيدا عنه، أم على الحدود السودانية.
الملاحظة الثالثة: يعلم الجميع أن هناك مئات الآلاف التيجراى صاروا لاجئين فى الأراضى السودانية منذ الحرب التى شنها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد على الإقليم فى ٤ نوفمبر الماضى، وبالتالى فهناك حركة دخول وخروج دائمة من هذه الحدود، وتعلم إثيوبيا أن السودان هو الأكثر تضررا من هذه الحرب، ثم تأتى إثيوبيا الآن لتزعم أن المسلحين انطلقوا من الأراضى السودانية، أو أن السودان ساعدهم.
الملاحظة الرابعة: أن السودان فضح المخطط الإثيوبى، ليس فقط، حينما نفى أى تدخل منه فى الشئون الإثيوبية، ولكن حينما طلب من أديس أبابا أن تبعده عن مشاكلها الداخلية.
الملاحظة الخامسة: بافتراض أن هناك هجوما حدث بالفعل، فهل يعقل أن الجيش الإثيوبى قتل ٥٠ مسلحا وأصاب ٧٠ آخرين فى حين لم يُصَبْ منه جندى واحد خلال الاشتباكات، علما بأن جبهة التيجراى تسجل نجاحات عسكرية متتالية منذ طردها لقوات آبى أحمد من الإقليم وعاصمته ميكيلى.
الملاحظة السادسة: هى أن الجيش الإثيوبى سجل إخفاقات كثيرة فى الشهور الأخيرة ليس فقط أمام جبهة التيجراى، ولكن ضد المتمردين ــ الأورومو، وبعض الجماعات المحلية فى إقليم بنى شنقول ــ جوميز الموجود فى نطاقه سد النهضة.
الملاحظة السابعة: أن البيان يعكس حقيقة مؤكدة، وهى أن الجيش الإثيوبى يواجه صعوبات كبيرة، وهو لم يلجأ إلى مقامرة الزج بالسودان فى هذا النزاع الداخلى، إلا حينما شعر باهتزاز الوضع العسكرى والمعنوى على الأرض.
الحكومة الإثيوبية تعانى اقتصاديا بشدة، وتعانى عسكريا أمام التيجراى، وأمام جماعات متمردة أخرى، وتعانى من إدانات دولية متتالية بسبب الجرائم التى ارتكبتها فى التيجراى وصلت إلى حد اتهامات بالإبادة العرقية.
وحينما يتم الزج بالسودان وإطلاق تعبير «الأعداء التاريخيين» فالمعنى الأساسى أن حكومة آبى أحمد أفلست تماما ولجأت إلى آخر ورقة، تعتقد أنها تلعب بها، وتحاول من خلالها استدرار عطف الإثيوبيين، الذين اكتشفوا أن حكومة آبى أحمد كشفت عن وجهها الحقيقى بشن الهجوم على إقليم التيجراى، والدخول فى صدامات مع العديد من العرقيات بما فيها الأورومو التى ينحدر منها آبى أحمد، وهم الذين ساعدوه فى الوصول للسلطة، لكنه انقلب عليهم، فقرروا الانقلاب عليه، والتحالف مع بقية العرقيات الأخرى ضده.
الملاحظة الثامنة: أنه مادامت حكومة آبى أحمد لجأت إلى الزج بما تسميه بـ«الأعداء التاريخيين»، فالمتوقع أن يتم التوسع فى هذا الادعاء، أولا لصرف الانتباه عن مشاكلها الداخلية، وثانيا لتعليق هذه المشكلات على مصر والسودان وليس على السبب الأساسى، وهو فشل سياسات حكومة آبى أحمد.
وبالتالى علينا فى مصر والسودان أن نكون يقظين طوال الوقت، للتصدى لكل المحاولات الإثيوبية الرامية إلى الهروب إلى الأمام، بتصدير مشاكلها الداخلية، وتعليقها على الخارج.
الملاحظة التاسعة: أنه مادامت الحكومة الإثيوبية بدأت هذا المسار فالمؤكد أنها تعيش واحدة من أصعب لحظاتها، ولا تريد أن تعترف بفشلها الداخل، وتحاول عبثا إعادة حشد الإثيوبيين، خلفها تحت حجة الاعداء التاريخية.
الملاحظة العاشرة والأخيرة: يبدو أن هذا السيناريو سوف يتكرر كثيرا لتبرير أى إخفاق فى تشغيل سد النهضة، أو تأخر عمليات الملء، بل سيتم لتبرير أى إخفاق داخلى.