بقلم: عماد الدين حسين
يوم الأربعاء «٩ أكتوبر» الماضى قال رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى: «لو حدث تطورات حرب إقليمية سندخل فيما يسمى اقتصاد الحرب، وسنتخذ المزيد من إجراءات الترشيد».
يومها استشهد رئيس الوزراء بأن سعر برميل البترول زاد بنسبة ١٠٪ وهو ما يضع المزيد من الأعباء على الدولة من وجهة نظره.
كثيرون لم يعجبهم هذا التصريح حيث اعتبروه سيزيد الأسعار ويدفع المواطنين إلى مزيد من التكالب على شراء السلع، أو يدفع التجار لتخزين هذه السلع والمضاربة عليها فى حال تدهور الأوضاع. والأهم من وجهة نظر هذا الفريق أن هذا التصريح وصفة سحرية ــ لتطفيش أى مستثمر سواء كان مصريا أو أجنبيا، فى وقت تحتاج فيه الدولة إلى استثماراتهم.
أتفهم تماما ما دفع الدكتور مصطفى مدبولى لهذا التصريح الصعب، ويمكن فهمه أكثر فى ظل البلطجة الإسرائيلية التى تريد تغيير خريطة الشرق الأوسط والدخول فى مواجهة مفتوحة تخضع فيها كل المقاومين، وربما الدخول فى حرب مفتوحة مع إيران.
وهذا الأمر إذا حدث قد يتسبب فى ارتفاع خرافى فى أسعار البترول وركود اقتصادى وهروب مستثمرين وتوقف سلاسل الإمداد، والوقف الكامل للملاحة فى قناة السويس، والأخيرة قلت إيراداتها فى الشهور الأخيرة بمقدار ٦٠٠ مليون دولار شهريا.
محمد الحمصانى المتحدث باسم الحكومة قال فى تصريح تليفزيونى إن رئيس الوزراء كان يقصد «اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة أى نقص فى سلاسل الإمداد».
علما أن مدبولى حينما أطلق تصريحه ألمح إلى تنظيم سير السيارات فى الشوارع المصرية لتوفير الوقود.
هذا عما تم وقيل بالفعل، والآن نسأل الله ألا نصل إلى هذه المرحلة، وأن يتوقف الجنون الإسرائيلى وتستقر الأمور إلى حد ما.
لكن وإلى أن يحدث هذا - وهو أمر مستبعد من وجهة نظرى فى ظل البلطجة الإسرائيلية والتواطؤ الأمريكى الغربى والصمت العربى والإقليمى، وإلى أن تستقر الأمور، أقترح على الحكومة المصرية، وقبل أن تتحدث عن اقتصاد الحرب الذى فهمه كثيرون باعتباره مزيدا من نقص السلع وارتفاعات الأسعار، أن تبادر باتخاذ مجموعة سهلة من الإجراءات حتى تستعيد ثقة الكثير من المصريين الذين يتصورون أن الحكومة قد نستهم.
وظنى أن الدكتور مدبولى أراد من كلامه أن ينبه الناس إلى صعوبة المرحلة المقبلة فيما إذا تدهورت الأمور أكثر فى المنطقة، لكن ظروف الناس الحياتية لا تجعلهم يأخذون هذه المسائل فى الحسبان خصوصا أن موجات ارتفاع الأسعار تضربهم صباحا ومساء من دون أى أفق لتحسن الأحوال.
وبالتالى فربما أن أكثر ما قد يريح الناس هو أن تبادر الحكومة إلى تطبيق «اقتصاد الحرب» على المضاربين والمحتكرين واللصوص والفاسدين وسارقى المال العام، قبل أن تفكر فى فرض أى قيود أو أعباء جديدة على عموم الناس، خصوصا الذين يعانون بشدة من تداعيات الأزمة الاقتصادية.
لا أقصد من قريب أو بعيد أى رجل أعمال أو مستثمر جاد ومنتج ويسدد ما عليه من ضرائب وتأمينات، هذا النوع له كل التحية والتقدير والاحترام، بل ينبغى أن تشكره الحكومة والمجتمع ليل نهار لأنه يساهم فى تخفيف العبء عن الحكومة، حتى لو كان لا يوظف إلا خمسة أفراد.
ما أقصده بوضوح هم أولئك الذين يتاجرون فى أقوات الشعب، ويخزنون السلع، ويتهربون من دفع ما عليهم من ضرائب، ويتفنون فى التهرب من كل مسئولياتهم.
لن أتحدث عن أسماء، لكن خلال السنوات الأربع الأخيرة ومنذ انتشار كورونا ثم الأزمة الأوكرانية، سمعنا قصصا كثيرة عن تجار خزنوا سلعا استراتيجية، والأخطر الذين ضاربوا على الدولار والعملات الأجنبية وحققوا مكاسب خيالية، وكل من تاجر ويتاجر فى الممنوعات خصوصا المخدرات والآثار.
هؤلاء يفترض أن نبدأ من الآن أن تطبيق قوانين «اقتصاد الحرب» عليهم حتى لو لم تنفجر المنطقة بحرب شاملة.
لو أن الحكومة اتخذت هذا المسار بالتوازى مع دعم القطاع الخاص المنتج، فسوف يصدقها الناس، وسوف يتجاوبون مع كل خطواتها وقراراتها الصعبة وآخرها رفع أسعار الوقود الأسبوع الماضى التى تسببت فى مزيد من الأنين بين غالبية الناس.