بقلم : عماد الدين حسين
يوم ١٥ أكتوبر الماضى قال وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان إن بلاده جادة بشأن محادثاتها مع إيران. وفى اليوم التالى قال مير مسعود حسينان رئيس الإدارة العربية فى الخارجية الإيرانية إن تحسن العلاقات بين بلاده والسعودية سيقود لتحسين علاقات إيران مع العديد من دول المنطقة خصوصا مصر. هذه الإشارات هى الأكثر دلالة على أن المحادثات السعودية الإيرانية تسير بصورة جيدة إلى حد ما، حتى لو أنها لم تحرز تقدما كافيا.
السعودية قطعت العلاقات مع إيران عام ٢٠١٦، بعد أن تعرضت سفارتها لهجوم من محتجين إيرانيين عقب إعدام السلطات السعودية لرجل الدين الشيعى المعروف باقر النمر.
ظنى أنه إذا نجحت السعودية وإيران، فى التوصل لتفاهم على القضايا الخلافية بينهما، فسوف يكون ذلك أفضل خبر للمنطقة بأكملها وقد يقود لتغيرات استراتيجية تعيد الأمور إلى سياقها الطبيعى بحيث تتفرغ المنطقة للبناء والتنمية لشعوبها.
البلدان يتفاوضان فى العاصمة العراقية بغداد، وربما فى عواصم أخرى، ولم تخرج تسريبات تكشف عن فحوى المفاوضات وهل هى تتقدم، أم أن العراقيل لاتزال كبيرة.
نعلم أيضا أن العلاقات لم تنقطع بسبب إعدام باقر النمر فقط، بل كان ذلك مجرد شرارة أشعلت ملف الخلافات القديمة منذ عام ١٩٧٩، حينما اندلعت الثورة الإيرانية واشتبكت مع العديد من بلدان المنطقة، وحاولت استخدام الورقة الشيعية فى العديد من بلدان المنطقة، ورفعت شعار تصدير الثورة. وربما لا يدرك كثيرون أن قيام الثورة الإيرانية دفع السعودية والخليج لاستخدام الورقة السلفية لموازنة محاولات طهران استخدام الورقة الشيعية كستار لتحقيق أهدافها القومية سواء كانت سياسية أم اقتصادية.
البلدان ومعهما غالبية دول المنطقة دخلوا فى حرب استنزاف شاملة منذ سنوات فى أكثر من مكان من لبنان إلى العراق ومن سوريا لليمن.
ظنى أن البلدين والشعبين بل كل العرب والمسلمين خسروا كثيرا فى هذا الصراع، الذى اتخذ صفة العبثية فى كثير من مراحله.
بعض القوى الدولية استغلت هذا الخلاف وقامت بتغذيته وإشعاله، كلما هدأت نيرانه الموجودة دائما تحت الرماد.
الصراع السعودى الخليجى مع إيران جعل القوى الدولية تحقق مكاسب هائلة من أول بيع السلاح للطرفين نهاية بطلب دفع أموال باهظة نظير حماية هذه الدولة أو تلك.
وكما فعلت هذه القوى فى زيادة إشعال الحرب العراقية ــ الإيرانية «١٩٨٠ ــ ١٩٨٨» فقد فعلت الأمر نفسه مع السعودية وإيران.
الآن، الولايات المتحدة تلمح إلى أنها قد تنسحب تدريجيا من المنطقة، وإسرائيل تطرح نفسها صديقا وشريكا لبعض دول المنطقة لمواجهة إيران، وهناك قوى أخرى إقليمية ودولية تحاول أن تدخل وتملأ الفراغ حال خروج أمريكا، حتى تحصل على جانب كبير من الكعكة التى كانت تحصل عليها «الولايات المتحدة».
تستطيع السعودية وإيران أن تحققا الكثير من المكاسب، إذا تمكنتا من الوصول إلى صيغة عادلة ومتوازنة تضمن تحقيق أكبر قدر من مصالح البلدين بصورة واقعية بعد أن ثبت لهما أنه لا يمكن لطرف أن يفوز بالضربة القاضية.
نجاح المباحثات الإيرانية السعودية سوف يؤدى إلى تغييرات استراتيجية مهمة فى المنطقة بأكملها، أولها على سبيل المثال تهدئة الصراعات الرئيسية فى كل من اليمن ولبنان وربما سوريا، وثانيها إنهاء الحلم أو الوهم الإسرائيلى الذى يسوق ويروج أنه الوحيد القادر على حماية دول الخليج من الأطماع الإيرانية.
نجاح المفاوضات يعنى أن جزءا كبيرا من الأموال والموارد التى ينفقها البلدان على سباق التسلح والحروب الإقليمية يمكن توجيهه لبرامج التنمية وتوفير فرص عمل لملايين الشباب فى المنطقة.
الاتفاق السعودى الإيرانى يعنى عمليا نسف الأحلام الإسرائيلية بأن تصبح صديقا لمجموعة من العرب والمسلمين ضد مجموعة أخرى منهم، وتعنى أيضا وقف الابتزاز الغربى لدول الخليج.
أعلم تماما أن المشكلة ليست فى تآمر القوى الخارجية فقط، لأن هناك مسئولية للبلدين وللمنطقة ايضا. وأعلم تماما أن هناك صراعات وخلافات مستحكمة منذ فترة طويلة، لكن على الأقل فإن تجربة السنوات الماضية تقول إن المنطقة بأكملها خسرت كثيرا بسبب مثل هذه النوعية من الصراعات، ليس فقط بين السعودية وإيران، بل بين كل دول المنطقة.
السؤال الأخير: يمكن أن يؤثر هذا التحسن على العلاقات المصرية ــ الإيرانية، خصوصا أن طهران قالت قبل أيام إنها تتطور للأحسن؟!